عانى رسول الله كثيراً من كفار مكة وقبائل العرب، الذين ساموه من العذاب أشكالا وألوانا، وبعدما انتقل بدعوته مهاجرا إلى المدينة، لم يرتح البال ولم يهنأ له العيش، بل إنه كان أشد معاناة وكبداً، وما لاقاه على يد اليهود والمنافقين كان مهلكا، ولتشهد غزوة "أحد" على غدر اليهود بالنبى، وعلى دور المنافقين فى إضعاف الصف الإسلامى، وانهيار الجيش المسلم فى مواجهته مع عتاة الكافرين، فبعدما خرج منادى الجهاد تخلف عنه 300 من المنافقين، على رأسهم المنافق الأكبر "عبد الله بن سلول"، بحجة حماية النساء فى المدينة، وتركوا 700 من المسلمين يلاقون جيوش الكفار والعرب مجتمعين، وكانت هزيمة المسلمين بعدما خالف الرماة فوق أحد أمر "الرسول"، واعتقدوا أن المعركة انتهت لصالحهم، وجرى بعضهم نحو خاتم فى يد مشرك وتركوا مواقعهم، وفكروا فى أنفسهم ونسوا الجماعة للحظات، وكانت الهزيمة، ولكن القائد العظيم أعاد الصفوف وظل يحارب الكفار حتى تراجعوا، وفى اليوم الثانى دعا "النبى" صلى الله عليه وسلم أصحابه السبعمائة ومنهم المجروح والمكسور والمريض للقاء الكفار مرة أخرى فى موقعة "حمراء الأسد"، وعندها حاول المنافقون الالتحاق بالجيش الإسلامى الجريح فرفض النبى، وكان النصر للمؤمنين، بعدما تكاتفوا وتلاحموا. واليوم نحن فى مجتمع يشبه كثيرا مجتمع المدينة، فيه فرق متناحرة كل يسعى أن يفوز بالقيادة، ويرى أنه الأصلح لها دون غيره، وهناك المنافقون الذين لا يريدون لمصر السلامة والسلام، وهناك اليهود الذين يتربصون بنا على كل جانب، ونحن مقبلون على بناء الجمهورية الثانية نحلم بالمجد والرقى والحضارة، ونسعى أن نشق صفوف الأمم ونقود الركب، فلابد لنا أن نتكاتف ونتلاحم ونعيد بناء الصفوف حتى نفوز بالمعركة، ولا يشمت بنا الأعداء. ولذا وجب على الجميع التوحد ونبذ الخلاف، ووضع مصر فى أعيننا وقلوبنا والزود عنها بأرواحنا وسواعدنا، وفدائها بأولادنا وأهلونا، ولينسى كلنا صناعة مجده الشخصى، وحلمه الذاتى، وتفكيره الأنانى، وأن يرى غيره قادرا على حمل الراية مثله تماما يدا بيد وكتفا بكتف، وأن يساعده بدلا من أن يثبطه، وليدع من يستطيع أن يعمل يعمل ولا يقف له بالمرصاد، يثنيه عن عزمه ويضعف له جهده. وفى النهاية وجب على شعب مصر كله بكل فئاته وطوائفه بعد الحكم الصادم على مبارك وأعوانه وابنيه، أن يعطى مرسى والإخوان المسلمين فرصتهم فى قيادة الأمة لأربعة سنوات، بعدها نحاسبهم، ماذا فعلوا وماذا قدموا، فلندعهم يعملون ولندعهم يمرون، ونتركهم لإقامة العدل الذى ننشد، ويرسون دعائم الحق الذى نريد، ويزيلون الغم والكرب بدعاء رجل صالح منهم، ولا نحبطهم ولا نثبطهم، ولا نقتل فيهم العزيمة قبل أن يبدأوا، ولا نحاربهم قبل أن يملكوا شيئا، ولا نتهمهم بالفشل قبل أن يفعلوا شيئا، ولا نطالبهم بما لا يطيقون، فالحمل ثقيل، وعلينا أن نتكاتف حتى تنجو السفينة بنا جميعا. ولا نصنع كما فعل اليهود بموسى عليه السلام، بعدما نجاهم الله تعالى من فرعون وقومه، وأغرقهم أمام أعينهم فى البحر، قالوا يا موسى "اجعل لنا إلها كما لهم آلهة"، ونسوا آية الله لهم ومعجزته لنبيهم، وعندما تركهم موسى وخرج لعبادة الله لمدة أربعين يوما، وترك معهم أخاه هارون صنع لهم السامرى عجلا من ذهب وعبدوه من دون الله، وكفروا بمن نجاهم، وخالفوا وعصوا من كان سببا فى هدايتهم. فلا يجب أن نكون كقوم موسى نضيع من أيدينا الحق، ونتركه يتفلت من بيننا ثم نندم عليه، بعدما يفوت وقت الندم، ونعلى شأن الباطل ونتمسك به فيلوثنا ويهوى بنا إلى أسفل سافلين، ولا يجب أبدا أن نقلد الدابة التى قتلت صاحبها، وهو الذى يريد لها أن تطعم من جوع وتأمن من خوف ويكسوها من عرى، ويسعى لرخائها وغناها، ويهديها إلى الصواب فتنجو به وتحيا عليه مرفوعة الرأس شامخة فى السماء. ولذا أطالب الإعلام المصرى أن يعلى كلمة "مصر"، ويبقى على فرصتها فى أن تعود للقيادة والريادة، وينسى الخلاف والنزاع والشقاق مع جماعة الإخوان، ولنفترض حسن النوايا فيهم، ثم علينا النقد البناء والتقويم بالقول والفعل والسيف، كما كان صحابة الرسول الكريم مع خلفائه، ولذا لا يجب أن نحبط الشعب فى رجل وجماعة هما أمله الوحيد، ولنهدأ عليهم حتى يقدم مرسى ومن خلفه مشروعهم الوطنى الذى أشاد به القاصى والدانى. وأطالب الساسة بأن يضعوا أيديهم فى يد شرفاء مصريين أمثالهم، لا غرض لهم إلا رفعة مصر، فهم أكثر من يعلمون أن الكراسى زائلة، وهم أكثر من أضير وأهان على يد مبارك ونظامه، فكيف يكونون صورة من الحزب الوطنى ونموذجا جديدا لمبارك، هيا بنا إيدك فى إيدى نصنع مجدنا.