لا توجد ثورة فى العالم تبدأ نهضتها بخيارات الأقل سوءًا لقيادة الأمور فى مستقبلها !، ولعلها أقرب إلى الهزل منها إلى العبث، ومع ظهور نتائج الانتخابات وبقاء مرشحين أحدهما يمثل التيار الدينى الصريح، متمثلا فى الدكتور محمد مرسى ممثل حزب الحرية والعدالة، المعبر عن الإخوان المسلمين؛ الجماعة المحظورة قبل نهاية عهد الرئيس السابق والمحظوظة فى المرحلة الانتقالية والتى بدت وكأنها على أهبة الاستعداد لتولى المسئوليات التشريعية والتنفيذية فى البلاد عن جدارة واستحقاق، وبين الفريق أحمد شفيق الذى يمثل وجها آخر من وجوه النظام السابق والذى تولى رئاسة وزراء مصر قبل تنحى مبارك، وبدا الرجل أنه يستقطب البسطاء من الشعب الذين أرهقتهم المرحلة الانتقالية ورغبتهم فى استقرار الأوضاع وعودة الشارع إلى ما كان عليه قبل 25 يناير. السؤال الآن: هل يجب علينا أن نحترم خيارات الشعب والطريق الديمقراطى فى بناء أمتنا أم نبكى مثل الأطفال حين يخسرون وننزل ميدان التحرير لنعتمد طريق الفوضى والحرائق وإشعال الوطن؟ أم نعتمد سياسة الدواء المرّ الذى سنتجرعه مضطرين، وأن نذهب إلى صناديق الاقتراع ونحن نفكر أيهم أفضل فى السوء فهذا سيقتلنى وهذا سيدخلنى النار إن لم أسمعه وأطع !! . الحقيقة أن نتيجة الانتخابات كانت إثباتا جديدا للتضليل الإعلامى وكشفت عن طوائف كثيرة فى المجتمع تم تهميشها وعدم عمل اعتبار لوجودها مع أن مواطنتهم فى الدولة كاملة وبهم يسقط بعض من ترشّح ويصعد آخرون وهؤلاء ليسوا نشطاء ولا أرباب فكر ولا أتباع أفكار دينية ولا يسارية ولا علمانية وإنما هم مواطنون مصريون لا يفكرون سوى فى حياة أفضل خالية من العنف والفقر والمرض. من حق كل مواطن أن ينتخب ما شاء دون أن نتهمه بأنه تقاضى أموالا أو أكياسا مملوءة بالسكر والزيت، ومن حق كل مواطن أن يكون حراّ فى انتخاب من يشاء دون أن نتهمه بأنه عميل أو تصويته طائفى أو له مصلحة فى إعادة إنتاج مبارك من جديد فعصر الوصاية انتهى وليس من حق أى واحد أن يصنف من صوّت لهذا أو ذاك. هذه هى القواعد ولا مناص من قبولها وإلا فلنعتمد سياسة أخرى غير سياسة المناخ الحرّ المختلف عن العهد الذى قبله والحقيقة أن من رفض نتائج الانتخابات هو الذى أعاد إنتاج النظام السابق واعتمد سياسة مبارك، إما أن أنجح أنا أو الفوضى !!. يجب أن الكلام واضحا وصريحا لا لبس فيه ولا غموض ولا نتنكر لمعتقداتنا وأفكارنا وليس من المعقول أن نتغنى بحقنا فى التظاهر والاعتصام صباحا وفى المساء نصرخ لحرمان الناس من حقوقهم الدستورية فى الترشح طالما لم تتم إدانتهم ثم نصف من انتخبوهم بأنهم عبيدا ويعشقون جلاديهم !! لمن كان له قلب فليعى ذلك جيدا لأننا نبدو أحيانا أننا لا نرى ولا نسمع !! رغم أن كاتب هذه السطور لم ينتخب أيا من المرشحين ومن تمناه رئيسا لم يمر من جولة الانتخابات الأولى إلا أننى لا أجد حرجا أن أقول إن قبول النتائج هو الخيار الحتمى لنا، وهو الدواء الذى سيقضى على أعراض مرضية ظاهرة ولابد من تجاوزها ويكون الخيار لنا جميعا أن من ينتصر لأهداف الثورة منهما هو من يجب أن نصوّت له دون أن نبطل أصواتنا، فصوتنا هو الإجراء الوحيد الفعّال لتجاوز مرحلة صعبة فى تاريخ أمة لا تموت. يجب أن تظل قناعاتنا بقيمة المواطنة وقيمة صوتنا الذى سيجبر كل المرشحين على وضعنا أولية أولى فى أى برنامج انتخابى، وأن ندرك أن الظرف التاريخى لا يسمح بإعادة إنتاج ما سبقه لأنه لا يمكن أن تتواجد فى التاريخ مرتين كما النهر بعد ثورة بلغت من النضج والوعى بحيث يصعب تكرار الحوادث التاريخية ذاتها، واللحظة نفسها وإلا فإننا سنهين أنفسنا أكثر مما ينبغى !! الخاسرون يتحدثون !، بالله عليكم اصمتوا أو قولوا خيرا فهذا يهين ما يقرب من ستة ملايين شخص صوتوا لشفيق بأنهم فلول النظام السابق وأنه لا يعتقد أن أى مواطن شريف سيقع فى حيرة فى جولة الإعادة وآخر يهين كل من صوتوا فى الانتخابات عدا من صوّت لمرشحى الثورة بالقول أنهم لا يعبرون عن مصر وحالة التغيير وكأن من صوّت للمعبرين عن حالة الثورة هم المصريون فقط وما عداهم غير ذلك !! وآخرون شيطنوا تيار الإخوان المسلمين، ومن تعاطف معهم وكأنهم ليسوا من أبناء الوطن وليس من حقهم أن يحلموا بمشروع نهضة ويسعون لتطبيقه. بالله عليكم، اصمتوا فصدمتكم بالخسارة وعدم تقبلكم إياها تكشف مدى زيفكم وامتنانا الآن لخسارتكم فالوطن قد ربح بخروجكم من المشهد . إن الخيارات المتاحة ليست (فى رأى شخصى) هى أفضل الحلول لكن خيار الصندوق هو أصدق من كل أصواتنا واحترامه فريضة وطنية وهو المنهج والطريق الذى سيقودنا إلى مستقبل أفضل، وإن استكمال أى ثورة ينبغى أن نبدأ فيها بأنفسنا وإن تغيير أى نظام لا يبدأ من قمة الهرم بل يبدأ من الداخل، وأن العقد النفسية المرتبطة بذواتنا هى ما تفسد أى مشروع نهضوى. من لا يعترف بأصوات الملايين ويتهمهم ببيع أصواتهم كيف كنا سننخدع ونجعله رئيسا إذا كان ذلك هو رأيه فى بعض أبناء شعبه ؟! من لا يفرد مساحة الاحترام الكافية لخصمه ويتهمه دون دليل بأن يده ملوثة بالدم دون دليل، كيف كنا سنأتمنه على قيادة شعبنا وهو يوزع الاتهامات هكذا ! إن الثورة تصحيح لما سبق وليس إعادة إنتاجه والمراقب لما بعد ثورة 25 يناير المجيدة سيكتشف أننا بحاجة إلى تجاوز أزمتنا فى أسلوب تفكيرنا ووضع مصلحة الوطن العليا فوق كل مصلحة خاصة وفوق كل أطماع فى سلطة من يرغبها لا بد أن يكون قد افتقد القدرة على الشعور بالخوف من مصير مأساوى محتمل !!. إن أزمتنا الحالية ليست فى أطماع الإخوان المسلمين فى امتلاك كل شىء ولا فى خوفنا من أن يعيد أحمد شفيق إنتاج النظام السابق ودولة رجال الأعمال مرة أخرى(وهى مخاوف مشروعة ) لكن أزمتنا الحقيقة أننا نحتاج إلى منهج فكرى نعتمد فيه سياسة قبول الآخر واحترامه واحترام الأسلوب الديمقراطى طالما ارتضيناه كمبدأ لعبور مرحلتنا الانتقالية ولا نقبل أن يأتى لاعب يعترض على احتساب الحكم لهدف أن يقول: لن ألعب !!. فى انتخابات الإعادة سيقول الشعب كلمته ومن يمتنع ليس من حقه أن يعترض فقبول قواعد اللعبة تقتضى ممارستها للنهاية وبشروطها، وإذا نجح هذا أو ذاك فعلينا أن نقبل وندرك أن هناك جولات قادمة نستطيع أن نصحح فيها الأخطاء فقديما قالوا: من يأبى قبول النصيحة اليوم ولا تكلفه شيئا فسيضطر غدا إلى شراء الأسف بأغلى سعر !!.