تأخر عرض (البطل) في دور العرض لأسباب توزيعية وإنتاجية وأظن أن موقف زكي من الفيلم كان له دور في هذا التأجيل إذ كان يعرف أن الجمهور الذى سيتوجه إلى السينما وقد رأى على الأفيش بطله (ملاكماً) عارى الصدر سوف يستحضر على الفور (بطولته) ورحلة صعوده فى (النمر الأسود) وهو شىء لم يخطر بخيالى أبداً عند صنع الفيلم وركزت على جوانب أخرى إنسانية وإجتماعية وحتى سياسية تخص هذه الفترة التاريخية. كان هذا أول أفلام مصطفى قمر الذي غنى بالفيلم بشكل مختلف عن اللون الذي احتكرته الشركة الراعية له وسجنته فيه.. أذكر من بين الأغاني تحفة بليغ حمدي (بنلف) وأغنية (هانحب أيامنا) لمدحت العدل.. والتي حاولت فيها أن أحمل قمر على الغناء دون (حركاته) الشهيرة ورقصاته على المسرح وبهدوء يناسب الفعل الدرامي.. ويبدو أن هذا كان صادماً لجمهوره الذي لم يكن قد اتسع بعد.. كما أن تأخر عرض الفيلم سمح لفيلم (إسماعيلية رايح جاي) بأن يسبق (البطل) إلى دور العرض وكان نجاحه التجاري ساحقاً مما كرس نجومية محمد هنيدي كشخصية كوميدية تؤدي بطريقة (الفارس) الذي يتوقعه منه الناس وبالتالي كان من الصعوبة بمكان أن يتقبل دور هنيدي في البطل كفدائي يلقي مصرعه في منتصف الفيلم لدرجة أن الناقد مصطفى درويش (الذي احترمه كثيرا) أبدى اندهاشه لهذا المشهد.. وفي هذا أذكر شيئاً أثناء تصوير مشاهد هنيدي في (البطل). كان طارق التلمساني وزكي وأنا معهم لا نتمالك أنفسنا من الضحك أثناء تصوير مشاهد هنيدي الجادة مما أدى به إلى أن قال: الناس هتضحك ياعم مجدي والفيلم هيبوظ.. واعتبرت أن ما قاله هنيدي يعتبر تحدياً فنيا وأذكر أني قلت له: الناس هتضحك لما أنا أعوزهم يضحكوا يامحمد ولو ضحكوا في مشاهد (الجد) أبقى مخرج فاشل وأحسن لي اسيب المهنة كلها.. وللأسف أن ما حدث هو أن الناس لم تضحك فعلاً ولكنهم لم (يبلعوا) الصورة الجادة لبطلهم الجديد.. إسماعيل يس العصر.. فكان هذا – مع موقف أحمد زكي الذي غادر عرض الإفتتاح قبل نهاية الفيلم – سببا في تدهور إيرادات الفيلم الذي رأي منتجوه عرضه في العيد (وما أدراك ماجمهور العيد) فبعد أن حقق ما يقترب من مليونين في أول ثلاثة أيام حتى تدهورت إيراداته بعدها.. ولم يحقق ما كان ينتظروه منه منتجوه الذين غيروا (نهاية) الفيلم دون علمي لكن تبدو نهاية سعيدة عوضا عن النهاية التي صورتها للفيلم (للبطل) المترهل على شاطئ البحروهو يجري خلف أطفاله بحب وإنسانية. ولكن أحمد.. بحسه الفني المرهف – لم يفقد ثقته في كمخرج.. وإستمرت صداقتنا رغم إني -بحماقه شديدة- أعلنته أني بحاجة إلى (الراحة) من العمل معه خمس سنوات عندما اقترح ألا يعمل مع غيري خمس سنوت متصلة لعدم قدرتي على التحكم في انفعالاته وتقديراته الفنية..! وعندما عرض على إخراج فيلم (السادات) لم أرفض بل هو الذي رفض دون مناقشة أن نقدم شخصية السادات كبطل (تراجيدي) منطلقين من رؤى مختلفة لا تقتصر على مذكراته ومذكرات زوجته.. لم يؤثر هذا الرفض على صداقتنا وعلى إدراكي أنني أمام ممثل عبقري يغفر له كل أخطائه وسوء تقديراته وكان هو يعرف الفرق بين من (يحبه) ويقدر فنه ومن يستخدمه لأغراض تجارية أو شخصية. ومن المفارقات أيضاً أن العبقري الآخر بليغ حمدي أعلن لمصطفى قمر أن أغنيته (بنلف) لم تكتب لشخصية نسائية وإنما كتبها بليغ حزنا على فراق عبد الحليم حافظ بعد موته المفاجئ.. و(يلف) الزمن ويتحمس زكي نفسه لصنع فيلم عن حليم لتبدأ رحلة مأساوية أخرى. عندما وصل إلى سيناريو فيلم (حليم) كان قد (لف) على أكثر من مخرج ويبدو أن السيناريو الذي كتبه الأستاذ الكبير (محفوظ عبدالرحمن) لم يرق لكثيرين أذكر منهم الصديق الأستاذ داوود عبدالسيد.. ولما كان زكاوه يعرف اهتمامي لدرجة الولع بشخصية حليم فقد سلمني السيناريو قائلا: عايزين نعمل فيلم بسيط ياعم مجدي.. بنبونايه كده تفرح الناس وجمهور المراهقات العاشقات للراحل ده.. مش عايزين فلسلفة والنبي.. قلت له وأنا أضحك: فلسفة إيه بس يازكاوة بس عايزين نقدم حليم الإنسان الذكي الذي خاض معارك إثبات وجود وسط عمالقة واللي عبر عن (حلم) وطن كامل في لحظة تاريخية معينة.. قال زكي: والنبي ما تكبرش الموضوع زي داوود.. خد بس إقرا.. وربنا يسهل.. وفي ليلة واحدة قرأت السيناريو الذي أطار من عيني النوم.. ولم أعرف كيف أواجه صديقي أحمد زكي ومحفوظ عبد الرحمن!!