قمة عربية طارئة، تحتضنها القاهرة، بينما يترقبها العالم، في ضوء توقعات كبيرة، بأن تسفر عن بناء موقف عربي موحد، فيما يتعلق بأزمة غزة، خاصة في أعقاب المقترح الذي تبناه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بتهجير سكان القطاع، لإعادة إعماره، بعد ما أحل به من خراب ودمار، بسبب العدوان الإسرائيلي الوحشي، ما تخلله من انتهاكات صارخة تندى لها الأجبان طيلة أكثر من 15 شهرا كاملة، وهو المقترح والذي يمثل تماهيا صريحا مع الدعوات التي سبق وأن أطلقها الاحتلال إبان العدوان، بإخلاء غزة من سكانها، وهو ما يعني تصفية القضية الفلسطينية، وتقويض الشرعية الدولية القائمة في الأساس على حل الدولتين، وفي القلب منه ضمان حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة. إلا أن المفارقة الجديرة بالملاحظة تتجلى في استباق الاحتلال للقمة العربية الطارئة، بقرار غلق المعابر، وحرمان الفلسطينيين من المساعدات الإنسانية، تزامنا مع بداية شهر رمضان المبارك، في انتهاك جديد وصريح ليس فقط لاتفاق وقف إطلاق النار، والذي دخل حيز النفاذ في 19 يناير الماضي، وإنما للأعراف الإنسانية، في محاولة صريحة لتحدي المجتمع الدولي، خاصة وأن سلاح التجويع يبقى أحد أهم الأدوات التي يتبناها الاحتلال الإسرائيلي لإجبار سكان القطاع على المغادرة وترك أراضيهم طواعية، وذلك بعدما فشلت الآلة العسكرية في تحقيق ذلك بعد قصف غاشم وممتد، استهدف مدنيين عزل، فلم يصمد أمام تمسكهم بحقوقهم التاريخية في تلك الأرض، وهو ما يضع معركة الدبلوماسية العربية في مواجهة صريحة أمام انتهاكات إسرائيل وفي القلب منها تجويع الفلسطينيين ولعل التزامن بين القمة المرتقبة في قلب القاهرة، غدا، وقرارات حكومة بنيامين نتنياهو وثيقة الصلة، فالأخير يرغب في إبداء تعنته، ورفع وتيرة التصعيد تدريجيا، تمهيدا للعودة إلى ميدان القتال، وتقويض اتفاق وقف إطلاق النار، والذي تحقق بوساطة مصرية قطرية، وهو ما يضفي مزيدا من الزخم للقاء القادة العرب، حيث يمثل فرصة مهمة لتبني موقف مشترك، يمكن التسويق له مستقبلا أمام العالم، لتحقيق أكبر قدر من التوافق الدولي، فيما يتعلق بالانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل، والتي لا تقتصر على مجرد الإخلال بالاتفاق المذكور، عبر قصف متقطع هنا أو هناك داخل غزة، بحجة ملاحقة الفصائل، وإنما باتت ممتدة إلى كل سكان القطاع. والحديث عن الانتهاكات الإسرائيلية التي يمثلها قرار غلق المعابر، في واقع الأمر، يدور حول عدة مسارات متوازية، بعيدا عن الإخلال بالاتفاق، ربما أبرزها تزامنه مع شهر رمضان، وما يمثله من خصوصية، وبالتالي فالقرار امتداد صريح لانتهاك المقدسات الدينية، التي طالما مارسها الاحتلال، ليس فقط خلال فترة العدوان، وإنما لعقود طويلة من الزمن، كما يعيد إلى الأذهان تجاهله لقرار وقف إطلاق النار الذي مرره مجلس الأمن الدولي خلال شهر رمضان من العام الماضي، بعدما امتنعت واشنطن عن التصويت، (وهي المرة الوحيدة التي لم تستخدم فيها الولاياتالمتحدة حق الفيتو لمنع تمرير القرار) مما يمثل استفزازا صريحا للمسلمين ليس فقط في فلسطين، وإنما في دول الجوار العربي والإسلامي، وهو ما يعكس حقيقة الرغبة في توسيع أطر الصراع. بينما يتجلى المسار الآخر في مواصلة مخطط التهجير عبر سلاح التجويع، من خلال حرمان مليوني إنسان من المساعدات الإنسانية، لإجبارهم على ترك أراضيهم، وهو الأمر الذي يقع تحت إطار جريمة الإبادة الجماعية، بحسب قواعد القانون الدولي، وهو ما يمثل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان. في حين يبدو المسار الثالث في الإخلال بحق الإسرائيليين أنفسهم، وهما ما يبدو في بعدين رئيسيين، أولهما ما يتعلق بما يمثله مثل هذا السلوك المختل من مقامرة بحياة الرهان المحتجزين في القطاع، وهو ما يعكس عقود من الأكاذيب طالما روجها الغرب، وفي القلب منه الولاياتالمتحدة، عن دولة إسرائيل باعتبارها الواجهة التي تمثلهم في الشرق، كنموذج للديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو الأمر الذي أثبتت عقود طويلة عدم صحته، بينما تجلى في أبشع صوره خلال الأيام، أو بالأحرى الشهور الماضية، خاصة وأن الانتهاك هنا لا يطال المعسكر المناوئ لهم (الفصائل أو حتى سكان غزة) وإنما طال في سياساته حياة المواطن الإسرائيلي نفسه. وأما البعد الآخر، فيتمثل في علاقة إسرائيل بمحيطها الإقليمي، والذي يشهد في ظل الحكومة الحالية أسوأ مراحلها، جراء ما تنتهجه من سياسات استفزازية من شأنها تهديد الاستقرار الإقليمي، معتمدة في ذلك على الدعم الكبير المقدم من الولاياتالمتحدة، وهو الأمر الذي يضع الجميع في دائرة الخطر، وفي القلب منه إسرائيل نفسها. وهنا يمكننا القول بأن قرارات الاحتلال الأخيرة تعد بمثابة محاولة جديدة لوضع أمن المنطقة كلها على المحك، وهو ما يضفي المزيد من الأهمية والترقب لما سوف تسفر عنه القمة العربية الطارئة بالقاهرة غدا، من قرارات، من المتوقع أن تعكس وحدة الصف العربي، في مواجهة الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال بحق ملايين البشر