لم يكن لأحد أن يتخيل أن تأتى إلينا - ونحن أحياء نرزق - لحظة أن يذهب كل منا لكى يدلى بصوته بحرية تامة، وأن يشعر كل منا بأن لصوته قيمة فى الانتخابات، وأنه لابد أن يذهب لكى يدلى بصوته حتى يأتى بالمرشح الذى يراه الأصلح لقيادة البلاد خلال الفترة المقبلة من تاريخ مصر بعد ثورة راح ضحيتها الآلاف من الشباب وسطرت الكلمة الأخيرة لنظام ظل يحكمنا، وكأننا قطيع ليس له رأى أو وجهة نظر فى أى شىء وكان يتعامل معنا كالأموات الذين يستعين بهم لتسويد بطاقات التصويت فى الانتخابات حتى يحصل على الأغلبية المصنوعة والمختلقة مما أورثنا الجهل والفقر والمرض لغالبية الشعب وملء الدنيا فسادا وإفسادا ولم يكن أحد – آنذاك – قادراً على محاسبته على فساده. ما أشبه الليلة بالبارحة عندما تنحى مبارك عن الحكم فى 11 فبراير 2011 وكانت لحظة تاريخية فاصلة فى تاريخ المصريين عندما سطروا بدمائهم العالية أروع الثورات التى أجبرت النظام القمعى الجبار بأسلحته العتيدة وألته التعذيبية على أن يخاف ويرتعد ويشعر بالخوف الشديد، الأمر الذى جعل رأس النظام وبطانته ينسحبون من الحياة إلى غياهب السجون بعد أن كانوا ملء السمع والبصر ويسخرون الآلة الإعلامية وفقاً لهواهم حتى ساهموا فى تزييف إرادة الناس على مدى سنوات وعقود حتى جاء النصر من عند الله .. ولم أكن أعلم أن الشعب المصرى الذى ذهب إلى صناديق الاقتراع بحب ورغبة وشوق من أجل إختيار الرئيس المقبل بيده – ليس بيد عمرو – ورغم كبر السن الا أنهم أصروا على الذهاب لكى يختارون لاول مرة فى حياتهم رئيسهم بأنفسهم أسوة بالدول المتقدمة التى يختار فيها الشعب رئيسهم وكل ما يتعلق بمصيرهم، وما أروع الطوابير التى يتراص فيها المصريون من كل حدب وصوب وفى لجان تمتد إلى عشرات الأمتار فى بهجة وسرور وضحكات بين الشباب والرجال وبين السيدات والفتيات والصبايا فى يوم العرس الكبير الذى تشهده مصر لأول مرة منذ تحولها إلى جمهورية عندما كانت ملكية نظام الحكم وتابعة للدولة العثمانية ثم ولاية يحكمها محمد على ومن بعده أولاده ,حتى تحول نظام الحكم على يد الثورة التى قادها الضباط الأحرار وتوحد معها كل الشعب المصرى من أجل دولته العزيزة مصر، واستمر فى حكم مصر من العسكر منذ عام 1952 حتى قيام ثورة 25 يناير والإطاحة بمبارك آخر حكام العسكر وكان هؤلاء الحكام يحكموننا بدون أن ننتخبهم على الإطلاق من منطلق "أولى الأمر"، وكانت هناك استفتاءات على الرئيس كما فى حالة محمد نجيب وعبد الناصر والسادات وصولاً إلى مبارك والأخير اختلق نظام الانتخاب المباشر فى أواخر عقد له مع الشعب على المستوى الشكلى فقط وكانت النتائج محسومة بالطبع له بنسب مختلفة لا تقل بأى حال من الأحوال عن 80% أما عشر مرشحين كما فى انتخابات الرئاسية عام 2005 وكان الشعب لا يذهب لهذه الانتخابات لعلمه المسبق بتزويرها لصالح المرشح الاول وهو مبارك، حتى وصل الأمر إلى سعيه لتوريث الحكم لابنه جمال الأمر الذى أدى إلى ثورة الشعب على الحاكم الفاسد وبطانته. ما أجمل ما قام به الشعب المصرى من سلوكيات راقية ترقى لرقى الحدث وسمو أهدافه فى تنظيم التصويت فى الانتخابات الرئاسية وحماس غير مسبوق من أجل نجاح التجربة الديموقراطية المقبلة عليها مصر أمام العالم الذى ينتظر منها الكثير والكثير بعد ثورتها التى بهرته وأذهلته وجعلته يتابعها فى كل تحركاتها وخطواتها إلى طريق الديمقراطية كما فى زيارات السفيرة الأمريكية ومندوبين من الاتحاد الأوروبى لمراكز الاقتراع فى بعض المحافظات، الأمر الذى يضع بالمسئولية الكبرى والأعباء الضخمة على الرئيس المنتخب الجديد فى كيفية قيادة الدولة خلال الفترة المقبلة التى تعد من أهم وأخطر الفترات فى ليس فى تاريخ مصر فحسب بل فى تاريخ الأمة جمعاء.