لم يأت الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بجديد عن طبيعته، فهو منذ ولايته الأولى، اشتهر بتصريحاته وقراراته التى كثيرا ما أثارت جدلًا، أحيانًا بسبب جرأتها، وفى مرات أخرى، بسبب عدم مشروعيتها أو فقدانها للعقلانية. فيما جاءت تصريحاته مع بداية ولايته الثانية مُختلفة إلى حد ما فى وقعها على العالم أجمع وبالأخص العربى، حول فكرة تهجير الشعب الفلسطينى بحجة إعادة الإعمار لغزة، ورغبته فى سيطرة الولاياتالمتحدةالأمريكية على القطاع، فرفض جميع المُتلقين والمتابعين تلك التصريحات، سواء من القادة أو الشعوب فى جميع أنحاء العالم بمختلف معتقداتها وثقافاتها. وعن المنطقة بوجه خاص، أعلن الخليج اصطفافه مع قرار مصر الواضح والرافض للتهجير أو أى خطوة من شأنها تصفية القضية الفلسطينية أو المساس بالأمن القومى المصرى، الذى أكد الرئيس السيسى مرارًا وتكرارًا أنه خط أحمر لم ولن يُمكن تجاوزه، بالإضافة إلى حديثه من قبل على حرص مصر على أمن المنطقة والخليج، الذى يُعد جزءا لا يتجزأ من أمن مصر، ومن ثم يتضح أن أمن الشرق الأوسط ككل يتوقف على أمن واستقرار مصر، التى يراها الجميع بمثابة عمود الخيمة للمنطقة، وهى الحقيقة التى لا تقبل التأويل أو المُزايدات. تأتى مواقف دول مجلس التعاون الخليجى من خلال بياناتها الرسمية عقب تصريحات «ترامب»، وتعليق مصر الرافض لها، مُعلنة ما أكدت عليه القاهرة، حيث الرفض القاطع لعملية التهجير أو المساس بحقوق الشعب الفلسطينى، ولعل البيان السعودى جاء فى مقدمتها، فقد جاء البيان الرسمى الحازم من مملكة الحزم- السعودية- مُعضدًا موقف مصر والأردن، ومؤكدًا على أن موقف الرياض ثابت وراسخ، وأنها لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، فيما جاءت مقابلة الأمير تركى الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، مع شبكة CNN الأمريكية، ليمثل رسالة سعودية جديدة مؤكدة على موقفها وما صدر فى بيانها، خاصة أنه بالإضافة إلى ما ذكره حول الموقف السعودى الثابت من القضية الفلسطينية، ظهر مرُتديًا الشماغ فى صورة شال فلسطينى، ما بعثّ برسالة واضحة تعكس دعم حق الشعب الفلسطينى. توالت البيانات الرسمية من وزارات خارجية كل من «الإمارات العربية المتحدة، والكويت، وسلطنة عُمان»، التى حملت جميعها تأكيدًا على رفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم، مثلما جاء أيضًا فى البيان العربى المشترك، الصادر عن وزراء خارجية كل من «مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر»، بالإضافة إلى مملكة البحرين، التى أعربت عن موقفها خلال اتصال هاتفى جمع بين الرئيس السيسى، والعاهل البحرينى، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، التى أكدت على ضرورة التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، والعمل على إعادة إعمار القطاع، وبدء المسار السياسى الذى من شأنه أن يؤدى إلى اتفاق سلام دائم يحقق الاستقرار فى المنطقة. ربما يخشى الجميع من موقف «ترامب»، أو أنه لن يهتم بكل تلك ردود الفعل، بينما أعتقد أنها ستكون مؤثرة، فهو رجل اقتصادى من الطراز الأول أكثر من سياسى، وما يرغب فيه من مصالح اقتصادية فى فترة إدارته لأمريكا، يتوقف على كثير من دول المنطقة، وما يسعى له من إبرام صفقات مع عدد منها، وهو بالتأكيد ما سيدفعه إلى التفاوض وإعادة النظر فى رؤيته فيما يخُص تهجير الفلسطينيين، إلى جانب ما ظهر من اعتراضات فى إدارته حول ما أدلى به من تصريحات، والمخاوف الأمريكية من نشوب الفوضى فى الشرق الأوسط، لذا بدت تصريحات المتحدثة باسم البيت الأبيض مُتضاربة إلى حد ما، مُحاولة التأكيد على أن «ترامب» يتحدث عن الانتقال المؤقت فقط لأهالى غزة حتى إعمارها، وهو ما يعنى أنه فى حال التوافق على حلول موضوعية من قبل مصر وأشقائها، سيتنازل «ترامب» عن هذا الطرح الذى أغضب العرب والعالم أجمع، كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، صرّح، أمس الأول الخميس، رافضًا ما ذكره «ترامب» عن وجود قوات أمريكية فى غزة، وذكر أنه لا حاجة لذلك، ولعل ذلك كان جزءًا من رغبة الرئيس الأمريكى من فكرة التهجير، حيث الرغبة فى السيطرة الأمريكية على غزة، بحجة تنفيذ مُقترحه وإعادة الإعمار، ولذلك ربما لم يتوافقا بشكل كامل، حيث تتضارب طموحاتهما. فى النهاية، سيظل الموقف المصرى الصامد والثابت، والاصطفاف العربى، هو حائط الصد الوحيد أمام مُخطط تهجير أهالى غزة، وتصفية القضية الفلسطينية، للحفاظ عليها وأمن الشرق الأوسط بأكمله.