يحاول الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، منذ توليه مقاليد الحكم، مد يده إلى مسلمى العالم مستخدماً لهجة مختلفة معهم، ولفتات طيبة تعبر عن احترامه لهم، وفى الوقت نفسه، تعبر عن مدى مهارته. ولكنه من الخطأ استنتاج أن التاريخ سيأخذ منحنياً آخر أو أن "الحرب على الإرهاب" قد انتهت. فى حقيقة الأمر، لم يبدأ الأمريكيون الصراع مع تنظيم القاعدة أو غيره من المتطرفين الإسلاميين، لذا لن يكونوا أول من يعلن نهاية هذا الصراع ضد التطرف العنيف الذى يُمارس باسم "الجهاد". يعتمد تحقيق هذه المهمة على المسلمين أنفسهم، فصميم هذا الصراع يهدد مستقبل الإسلام حول العالم. ويتعين على أوباما أن يعمل جاهداً فى توضيح أن تعامله مع المسلمين، والذى يعتمد على إظهار لفتات حسن النية والمجاملة لن يتعارض مع هذه الحقيقة، وأنه لن يكون سبباً فى انبثاق موجة جديدة من الاستياء إن لم يحقق النتائج المرجو تحقيقها. ومن جهة أخرى، تستحق قرارات أوباما ثناء الإسرائيليين أنفسهم، فتوجيه أول اتصال هاتفى دولى يجريه إلى الزعيم الفلسطينى محمود عباس، وعمل أول مقابلة تليفزيونية له فى البيت الأبيض مع قناة "العربية"، وإرسال مبعوثه جورج ميتشل إلى الشرق الأوسط فى "جولة استماع" بدأت فى القاهرة وليس القدس، لا ينم سوى عن مهارة سياسية بالغة. وكذلك توضح هذه القرارات أن إسرائيل لن تخسر إذا صنعت الولاياتالمتحدةالأمريكية علاقات طيبة مع الدول العربية. ويتعين على ميتشل أن يستعد جيداً قبل أن يتورط فى أكثر مناطق العالم تعقيداً، والتى تلعب دور الوسيط. فالذى يجوب شوارع القاهرة "الملوثة" بعد غياب طويل، يجد أن رائحة الإحباط والغضب تخيم على المكان وتساهم فى خلق نوع من التمرد الداخلى، جزء منه روحى، وجزء أيديولوجى. وفى الآونة الأخيرة، شهدت مصر تحول شبابها والكثير من كبار السن إلى اعتناق "نسخة منحرفة" من الإسلام فى محاولة للتمرد على حكومتهم المتصلبة، وفى الوقت نفسه، التمرد على الثقافة الغربية التى لها أكبر الأثر فى إصابتهم بالبلبلة وعدم الاستقرار، وكذلك على العوامل الاقتصادية. ولا يوجد شك أن أكثر ما يثير قلق الحكومة المصرية اليوم، هو أن أكبر تهديد على أمنها واستقرارها ينبع من داخل البلاد وليس خارجها، كما كان الحال فى القاهرة عام 1970، حينها أجبرت "حرب الاستنزاف" مع إسرائيل، المصريين والأجانب على التجمع والاختباء معاً فى عتمة الليل لتجنب الغارات الجوية الإسرائيلية. ولكن هذه المرة، تتميز دائرة الخوف بأنها أصغر، غير أنها أكثر تهديداً على هؤلاء الموجودين بداخلها. وتضع الفنادق الدولية فى العالم العربى أنظمة أمنية صارمة ترغم النزلاء على المرور من بوابات معينة كاشفة للمعادن، كما تعرض جميع الحقائب على ماكينات الأشعة السينية (X-ray)، ويتم توزيع الكلاب البوليسية على جميع أرجائها، الأمر الذى يجعل المرء يشعر وكأنه فى قواعد عسكرية سرية. وعلى الرغم من ذلك، يتم وضع الأجانب ومن يتعامل معهم تحت حراسة أمنية مشددة لحمايتهم فى حال أصبحوا هدفاً لهجمات "المجاهدين" أو غيرهم. ويتحتم على ميتشل معرفة هذه الحقائق التى تتعلق بالشارع العربى وتحديداً المصرى، لأنه لن يتلقى من المسئولين الذين سيتعامل معهم فى القاهرة سوى الإنكار والصمت. فعندما سعى بعض الصحفيين إلى اكتشاف المسلك التى ستنتهجه مصر فى وضع حد لتهريب الأسلحة على الحدود المصرية إلى قطاع غزة، قال لهم المسئولون، إن تهريب الأسلحة ليس عاملاً رئيسياً، وذلك لأن حماس تحصل على معظم ذخيرتها من تجار السلاح الإسرائيليين أو الجنود الفاسدين فى الجيش الإسرائيلى، فكأن لسان حالهم يقول، إنها ليست مشكلة تخصنا، لذا لن نفعل شيئاً بشأنها. قال الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، أثناء المقابلة التليفزيونية مع قناة العربية، إن نوع اللغة التى نستخدمها يهم، وهذه حقيقة، ولكن يجب عليه أن يدرك أن العرب يعرفون جيداً كيف يستخدمون الكلمات بدلاً من العمل الجاد. والواقع أن أوباما لن يستطيع التغلب عليهم فيما يتعلق "بلعبة الكلمات" والخطاب. نعم، تعهد أوباما بانتهاج سياسة أمريكية مختلفة تماماً مع المسلمين، وتخلى عن شعار نظيره السابق، جورج بوش، المضلل "الحرب على الإرهاب". ومع ذلك، يستمر النضال من أجل تحديد مكان وتعطيل وتدمير شبكات الإرهاب الدولية. وكذلك تستأنف طالبان رحلتها لإعادة أفغانستان إلى سابق عهدها فى اضطهاد النساء ومعاملتهن معاملة وحشية. وسيحاول المتعصبون المصريون الذين اغتالوا السادات، قتل الرئيس حسنى مبارك. جميع هذه الجهود ستستمر بغض النظر عن كلمات أوباما.