لدينا فى مصر كثيرون من رجال القانون ممن اشتغلوا بالأدب والسياسة، وكان لهم فيهما دور بارز غطى على شهرتهم كرجال قانون. كانوا يقولون: إن السياسة هى فن أخذ الممكن.. فهل هذا التعريف للسياسة صحيح ؟.. وما آخر تعريف للسياسة ؟.. حقيقة أن مفهوم السياسة فى هذا العصر تغير كما كان عليه فى العصر الماضى. فقد كانت السياسة فيما مضى قائمة فى أكثر الأحيان على الغموض وإخفاء الغرض الحقيقى وراء الاتفاقات السرية والمعاهدات . إذن فقد تغير مدلول السياسة ونطاقها وأغراضها ومداها . وتغيرت تبعاً لذلك أساليبها.. وليس معنى تغيير الأساليب أنها فقدت المضمون الأساسى لها . فلا تزال كما كانت فى خدمة الدولة والشعب. ولكنها ليست فى خدمة الحاكم. ثم ما حدث فى العالم من تقدم سريع فى وسائل المواصلات والاتصالات أدى هو الآخر إلى ظاهرة ملحوظة فى هذا العصر . وهى اختفاء دور الدبلوماسية إلى حد كبير.. إذ أصبح الالتقاء بين رؤساء الدول . أو وزراء خارجيتها .أو كبار المسئولين فيها ميسوراً ومتكرراً كلما وقع ما يدعو إلى هذا الالتقاء مما جعل دور السفراء أو رجال الدبلوماسية بصفة عامة يفقد الكثير من أهميته التى كانت لهم فيما مضى . فالقول إن السياسة هى فن أخذ الممكن – قول يصدق فى عمومه على العصر الماضى . وعلى هذا العصر، كل عصر يجىء إذا ظلت السياسة ضرورة من ضرورات الشعوب والحكومات وكما يقال: إن السياسة هى فن أخذ الممكن.. يقال أيضاً: إنها فن إقناع الآخرين بما تريد أن يقتنعوا به . وإذا وصلنا إلى تعريف أكثر دقة .. نقول : إنها فن تتلخص فيه كل الفنون. كأن تقنع الآخرين بما تريد، يتطلب أن تكون على قدر عظيم من الثقافة والمعرفة وعلى قدر آخر عظيم من تذوق الأدب والفن. حينما أقول: الأدب والفن، أعنى بمدلولها الشامل . وبكل أدوات التعبير . الشعر والأدب والموسيقى والتصوير والنحت.. كل أولئك يخدم السياسة ويجعله أقدر على بلوغ ما يريد . ما الصفات التى يجب توافرها فى السياسى؟ .. السياسى أراد أو لم يرد . قصد أو لم يقصد . مرآة لشعبه وصورة له.. وكلما كان واسع الثقافة والمعرفة.. قادر على أن يجذب الآخرين إلى رأيه، أحس الآخرون كأنما فى شعبه سمات ولمحات من هذا كله . من الملاحظ اليوم أن السياسة تسخر العلم لأهدافها . وهناك من يقول: إن الساسة قد يتخذون من النقد العلمى وسيلة لنهاية العالم.. أليس الأفضل فى هذه الحالة أن يكون رجال العلم هم فى نفس الوقت الذين يمسكون بدفة الأمور ؟ يجب أن نفرق بين فن الحكم والعلم . فن الحكم يحتاج إلى علم، ولكن العالم ليس بالضرورة ممن يجيدون فن الحكم. وقد يستطيع الحاكم أن يستخدم العالم، ولكن العالم قد لا يعرف كيف يستخدم الحاكم . وهناك فرق كبير بين العلم والتطبيق.