فى سباق أن يصبح أول رئيس فى مصر الجديدة، يتعين على المرشح العلمانى الذى يتمتع بأكبر فرصة لإلحاق الهزيمة بالإسلاميين الذين يتزايد نفوذهم التغلب على الحقيبة التى يحملها من النظام القديم. خلال الحملة الانتخابية التى تسبق التصويت التاريخى الشهر القادم، يقدم عمرو موسى (76 عاما) نفسه كرجل دولة كبير مع خبرة سنوات من العمل السياسى والحكومى بداية من عشر سنوات كوزير للخارجية فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، ثم عشر سنوات أخرى كأمين عام لجامعة الدول العربية. قال موسى للصحفيين مطلع الشهر الجارى إننى أستطيع أن أبدأ من الدقيقة الأولى كرئيس. البلاد فى أزمة كبيرة، أزمة كبيرة لا تبرر على الإطلاق وجود رئيس يطلب المشورة، ماذا ينبغى القيام به بشأن هذا الأمر أو غيره؟ ويكتسب الخبرة أثناء مزاولته مهام منصبه. والخبرة ذاتها هى نقطة ضعف موسى فى ضوء ارتباطه بنظام مبارك الذى سعت انتفاضة العام الماضى إلى إسقاطه. بعض المواطنين المصريين يعتبرون موسى أحد بقايا النظام "فلول" إذ يعتقدون أنه لن يجرى إصلاحات فى النظام الاستبدادى المستمر فى مصر منذ مدة طويلة أو أن يعارض هيمنة الجيش على سياسات البلاد. وفى احتجاجات مناهضة للعسكر من عشرات الآلاف من الإسلاميين والليبراليين فى وقت سابق من هذا الشهر بميدان التحرير، تم رفع لوحات "لا للفلول" مع وضع علامة خطأ باللون الأحمر على صورة موسى. وضع موسى كالمرشح الأوفر حظا يثبت كيف أن الحركات العلمانية والليبرالية واليسارية التى قادت الثورة ضد مبارك عاجزة عن تقديم شخصية بارزة لحمل لواء الثورة. ونتيجة لذلك، يقف موسى باعتباره البديل الرئيسى للمصريين الذين يتخوفون من أن الإسلاميين - الذين يهيمنون بالفعل على البرلمان - سيحولون البلاد إلى دولة دينية إذا فازوا بالرئاسة. و المنافس الأكبر لموسى هو محمد مرسى، المرشح عن جماعة الإخوان المسلمين، أقوى حركة سياسية فى مصر، التى خرجت من الانتخابات البرلمانية التى جرت أواخر العام الماضى بحوالى نصف مقاعد البرلمان. وقال أحمد خيرى المتحدث باسم حزب المصريين الأحرار الليبرالى الذى تحدث مؤيدا لموسى برغم أن حزبه لم يؤيده رسميا، إن السؤال هو ما إذا كان الناخبون يرون الانتخابات كخيار بين العلمانية والإسلاميين أو بين القديم والجديد. قال خيرى "أعتقد أنه بعد ما شهدناه فى الانتخابات البرلمانية، ستكون الانتخابات الرئاسية على أساس الدولة المدنية مقابل الإسلامية، وهنا موسى يعلو على كل ذلك". وسعى موسى إلى اللعب على وتر المخاوف بشأن الإسلاميين فى رسالة حملته الخميس الماضى. وقال إن الانتخابات فرصة لوضع مصر على الطريق نحو ديمقراطية حقيقية وقوية واقتصاد منافس وإلا ستعتمد مفاهيم وأساليب ستمنع ازدهار مصر وستدفعنا نحو دوامة من الصراع الداخلي" وذلك فى إشارة غير مباشرة للإسلاميين. ويساعد موسى سمعته التى نجح فى تكوينها فى عين المواطن كشخص من خارج نظام مبارك. وكوزير للخارجية من الفترة من عامى 1991 إلى 2001، أصبح مشهورا لانتقاداته الصاخبة لإسرائيل فى حكومة كان ينظر إليها الكثير من المصريين على أنها متعاونة للغاية مع الدولة اليهودية. كان موسى سعيدا بتعزيز انطباع شعبى عنه ظهر من خلال أغنية شعبية تقول كلماتها "أنا بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل"، ما دفع مبارك إلى التخلص منه ونقله إلى جامعة الدول العربية خشية أن يظهر كمنافس محتمل له. واسم موسى، الذى يشتهر بسيجاره الكوبى ومزاجه الهادئ، معروف بين المصريين بحكم عمله الدبلوماسى على مدار سنوات طويلة- بينما لم يلعب دورا ضمن أدوات نظام مبارك الأكثر بغضا، مثل الحزب الحاكم وقوات الأمن. تقول المحللة السياسية هالة مصطفى "إنه من النظام القديم لكنه كان بمنأى عن الرئيس"، والآن يحاول موسى خلال حملته الدعائية الترويج لنفسه كداعية للفقراء، بالتخلى عن السيجار الكوبى وتوزيع ملصقات على المناطق الفقيرة تعلن بأنه "فارس مصر". وفى وقت سابق من هذا الشهر، أعلن برنامجه الانتخابى فى عزبة الهجانة، أحد أحياء القاهرة الأكثر فقرا. ومتحدثا من منصة أقيمت فى شارع ملىء بالحفر، تعهد موسى بإقامة نظام للرعاية الاجتماعية لحماية الفقراء خلال المائة يوم الأولى من رئاسته - بما فى ذلك وضع حد أدنى للأجور وإصلاح قوانين العمل ومساعدة العاطلين عن العمل - بالإضافة إلى زيادة الاستثمارات الحكومية لتوفير فرص عمل واستخدام اتصالاته الدولية لجذب المساعدات المالية والاستثمار. ولا يمكن التنبؤ بنتيجة هذا السباق الرئاسى الذى يضم ثلاثة عشر متنافسا. وأبرز هؤلاء المرشحين هم موسى ومرسى والعضو السابق بجماعة الإخوان المسلمين عبد المنعم أبو الفتوح - وهو إسلامى معتدل وله أوراق اعتماد مؤيدة للثورة. ويلعب أبو الفتوح دورا فى مساعدة موسى بتفتيته أصوات الإسلاميين ولكنه قد يجذب أيضا أصوات الناخبين العلمانيين الذين لا يميلون لتأييد موسى. كما يضم السباق آخر رئيس للوزراء فى عهد مبارك، وهو أحمد شفيق، الذى يعتبر مقربا جدا من النظام القديم والجيش ولكنه قد يقلل من الأصوات المؤيدة لموسى. وقد تحدث التقلبات الصغيرة فرقا كبيرا فى الجولة الأولى من الاقتراع، المقرر له الثالث والعشرين والرابع والعشرين من مايو، وإذا لم يحصل أى مرشح على الأغلبية، فسيخوض أكثر اثنين حصلا على نسبة من الأصوات جولة إعادة فى السادس عشر والسابع عشر من يونيو. وسيتم الإعلان عن الفائز فى الحادى والعشرين من يونيو. وتقلل حملة موسى من وصفه بعض التيارات الثورية له ب"الفلول". فيقول أشرف سويلم، أحد كبار المسئولين فى حملته الانتخابية "الناس لا ينظرون إلى الخلف بل إلى المستقبل". لكن قبل أشهر فقط من الثورة المصرية، قال موسى فى مقابلة تلفزيونية إنه سيصوت لمبارك إذا رشح نفسه لولاية أخرى. وعندما اندلعت الاحتجاجات ضد مبارك فى يناير من العام الماضى، سارع موسى إلى الإعلان عن تأييده للثورة، وتواجد بين المتظاهرين فى ميدان التحرير. لكنه حرص على البقاء فى خلفية الصورة. وطوال الفترة الانتقالية المضطربة من العام الماضى، تجنب موسى توجيه انتقادات للمجلس العسكرى الحاكم. يقول حسام الحملاوى، من حركة الاشتراكيين الثوريين اليسارية "إذا فاز (موسى) فى الانتخابات الرئاسية، فإن ذلك يعنى إعادة إنتاج النظام القديم، ولن تكون هناك تغييرات تحت قيادته. كل المزايا التى يتمتع بها الجيش لن يتم المساس بها". وأضاف أن موسى يحظى بدعم فى أوساط المسيحيين والطبقة الوسطى من العلمانيين المصريين الذين يخشون جميعهم من الإسلاميين.