سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الإسلامية والليبرالية.. المواجهة المزعومة.. مشكلة اختيار الجمعية التأسيسية لن تكون الأخيرة.. وإذا سارت الأمور فى الطريق العشوائى الذى تسير فيه فإن مشكلات أشد كارثية ستقع
تصوير ما يجرى على الساحة المصرى بأنه نزاع بين الليبراليين والإسلاميين حول طريقة تثبيت هوية الدولة المصرية فى الدستور العتيد أو حصة كل طرف فى الجمعية التأسيسية أو اللون السياسى للرئيس القادم أو غير ذلك من الأمثلة هو محض افتراء لا يتطابق مع أبسط الحقائق، فمن ناحية لا يمثل حزبا الأغلبية البرلمانية كل فصائل التيار الإسلامى السياسى، ومن ناحية أخرى لا يمكن حصر القوى الليبرالية فى المجموعات الليبرالية المحتجة على طريقة تفاعل حزبى الأغلبية البرلمانية مع المشكلات المتفجرة على الساحة. الحقيقة نحن أمام خلاف سياسى بامتياز تزعَّم فيه حزبا الحرية والعدالة والنور السلفى - ومعهما كثير من الأحزاب والتيارات الليبرالية والأشخاص المحسوبين على هذه التيارات - اتجاهًا محافظًا متوافقًا مع مواقف المجلس الأعلى للقوات المسلحة طيلة العام المنصرم، ودافع هذا الفريق عن أداء المجلس الأعلى فى إدارة المرحلة الانتقالية بداية من التعديلات الدستورية وانتهاء بالانتخابات البرلمانية فى نهاية مارس الماضى، بل نزل بجمهوره إلى الميدان مدافعًا عن تلك المواقف فى مواجهة مطالبات الفريق الآخر بتحديد جدول زمنى لنقل السلطة وانتقاده لطريقة التعامل مع الاعتصامات وغير ذلك، وتبنى هذا الفريق مقولة أن الشرعية أضحت، فقط، شرعية البرلمان. على الجانب الآخر اصطفت أحزاب وسطية إسلامية، كالوسط، ووسطية ليبرالية، كالعدل والثورة مستمرة، بالإضافة إلى شباب الثورة، وشخصيات مرموقة فى العمل الإسلامى أو الفكر الليبرالى، لتعلن تمسكها بشرعية الميدان وضرورة أن تكون شرعية المؤسسات المدنية والسياسية، بما فيها البرلمان الوليد، مستندة إلى الميدان الذى منح الجميع الحق فى العمل السياسى، وانتقد هذا الفريق، مع بعض التمايز الداخلى، أداء المجلس الأعلى خصوصًا امتناعه عن تحديد جدول زمنى واضح لنقل السلطة، حتى قام بذلك تحت ضغط الميدان خلال أحداث شارع محمد محمود، كما انتقد محاولة المجلس الأعلى شق صف التيارات الوطنية بإجراء صفقات خفية مع بعض الفرقاء، ووضع ترتيبات انتخابية تتناسب مع فريق على حساب الآخر وإطالته للمرحلة الانتقالية واستثماره للخلاف السياسى بشأن الدستور أولاً أم الانتخابات أولاً لتكريس دور سياسى للمجلس الأعلى خلال المرحلة الانتقالية يمتد بعد انتهائها، إلى غير ذلك. ومن بين ما اختلف عليه الفريقان التوافق، خلال العام المنصرم، على معايير لاختيار الجمعية التأسيسية، فحاول البعض أن يجعل تلك المعايير تتقرر بطريقة فوقية يتحكم فيها المجلس الأعلى، بينما حاول البعض أن يجعلها توافقية بين أطراف القوى السياسية والمدنية، بينما آخرون رفضوا أن تكون هذه المعايير محل نقاش أو توافق من أى نوع، وقلنا وقتها إن عدم التوافق على معايير لا يعنى سوى تأجيل المشكلة للحظة حرجة سيكون التوافق فيها أمرًا عسيرًا وربما متأخرًا، غير أن الفريق الذى رفض التوافق على هذه المعايير مستمسكا بما سمّاه، على غير الحقيقة، الإرادة الشعبية، طالب الجميع بالانتظار والاعتماد على حسن نيته، حتى جاءت لحظة اختيار الجمعية التأسيسية، فاختيار فريق الأغلبية السياسية ومؤيديه من كل الاتجاهات أسوأ محاصصة وهى المناصفة بين الشعب والبرلمان، وأسوأ طريقة للاستقرار على الأسماء وهى الاحتكام إلى التصويت المباشر لأعضاء البرلمان. فى رأيى أن مشكلة اختيار الجمعية التأسيسية لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، فإذا سارت الأمور فى الطريق العشوائى الذى تسير فيه، فإن مشكلات أشد كارثية ستقع، ليس أقلها أن مواد الدستور سيتم إقرارها بالأغلبية العددية التى تحوزها الأغلبية البرلمانية، ومؤيدوها من كل التيارات، دون أدنى تقدير لرأى الفريق الآخر، وهو ما سيخلق على الدوام، ليس فقط حالة عدم رضى، وإنما حالة عدم إيمان بشرعية المؤسسات أو الدستور الذى ينظمها. وإذا كنا نعتقد أن أى دستور يمكن أن يصدر منطويًا على بعض العيوب، وأنه يمكن فيما بعد معالجتها عن طريق التعديلات الدستورية، فإن ما لا يمكن ترميمه هو الشعور بالغبن لدى فريق من الشعب ودفعه للاعتقاد بعدم شرعية المؤسسات أو الدستور الذى يصدر بهذه الصورة العبثية. وفى تلك اللحظة يحاول الفريق الأول الذى تتزعمه الأغلبية البرلمانية أن يوحى، على غير الحقيقة، للرأى العام بأنه فى نزاع مع المجلس الأعلى الذى لا يسمح له بتشكيل الحكومة بناء على نتائج الانتخابات، وكأننا نسينا سريعًا تصريحات هذا الفريق عندما طالبناهم، فور انتهاء الانتخابات، بتحديد موقفهم من الحكومة القائمة، إما منحها الثقة فتكون حكومة أغلبية أو طرحها وتشكيل غيرها، قلنا ذلك خارج البرلمان وقلناه داخل البرلمان، فكان جوابهم الموحد أن الإعلان الدستورى لا يسمح لهم بذلك، وأنهم سلطة تشريع ورقابة فقط، وكأن الرقابة تعنى المشاهدة لا منح أو طرح الثقة. اليوم لا يجوز للأغلبية البرلمانية ومن يتضامن معها من التيارات، وشخصيات إسلامية وليبرالية، أن تخادع الشعب فتعلن أنها تقود لواء المعارضة لإدارة المجلس الأعلى للمرحلة الانتقالية، بعد أن كرست هى دور المجلس فى المعادلة السياسية ومنحته الغطاء السياسى فى مواجهاته مع الثوار فى موقعتى محمد محمود ومجلس الوزراء وعلى مدى عام كامل، يجب أن تعلن بصراحة أنها وضعت البلاد فى مأزق بسبب تخليها عن الثورة والثوار والتفافها على شرعية الميدان الذى منحنا وإياها حرية كانت عزيزة، بأن جعلت نفسها نقيضًا لهذه الشرعية وبديلاً لها، وبعد أن غالبت شقائقها من القوى السياسية المخالفة لها فى الرأى، فحصلت بطرق مشروعة أحيانًا، وغير ذلك فى أحيان أخرى، على أغلبية أصوات الناس، اكتفت بأن تقوم بدور عسكرى المرور الذى يسجل أرقام السيارات المخالفة دون أن يحاول هو أن يقود السيارة كما وعد شعبه لتحقيق البرامج التى صدّع بها رؤوس الناس فلم يجدوا منه سوى اهتمام بفرض وجهات نظره وتحقيق أكبر استحواذ له على مؤسسات الدولة واحتكار المستقبل، دون أدنى رعاية لحاجات الناس والمصلحة العليا للبلاد. لا يحتاج الأمر لذكاء حتى يدرك المرء أن تيار الأغلبية البرلمانية ومن معه بكل مشتملاته، يحاول فى تلك اللحظة، أن يستثير من جديد العاطفة الإسلامية ليوحى بأن الجميع لا يريدون أغلبية إسلامية ولا يرغبون فى تطبيق شرع الله، ولا يسمحون بتكوين حكومة من التيار الإسلامى، وأن التيار الإسلامى من جديد مهدد بأن يقع ضحية العسكر كما حدث فى عام 1954، لكنهم لن يخفوا أبدًا حقيقة أنهم لا يمثلون كل فصائل تيار الإسلام السياسى، وأنهم لا يديرون معركة مع العلمانيين فى الجانب الآخر، فبينهم علمانيون وليبراليون، وبين صفوف الفريق الآخر إسلاميون بتاريخ وفكر شديد الوضوح بمرجعيته وقيمه، كما أنهم لن يخفوا حقيقة أنهم ساهموا بالنصيب الأكبر فى عدم تحقيق وفاق وطنى كان يمكنه أن يؤدى لتقصير المرحلة الانتقالية وتكريس قيم الحرية والديمقراطية يمكن أن يجرى بعدها تداول سلمى للسلطة، وتبدأ بعدها نهضة كبرى لبلد عظيم، لكنهم فضلوا الاستئثار على الإيثار، والمغالبة على المشاركة والمنابذة على التوافق والمبارزة على التفاهم، وقبلوا التساهل مع أخطاء المجلس العسكرى وتغطيتها سياسيّا وشعبيّا مادامت تحقق مصالحهم، واستعدوا لجر البلاد إلى مجابهة لا يحسبون عواقبها بمجرد شعورهم بأن هناك من يعترض على أن يجرى التعامل مع الجمعية التأسيسية والدستور باعتبارهما غنائم حرب لا مصير شعب. نقلاً عن العدد اليومى