كل خطوة تحدث فى مصر منذ أن قامت ثورة يناير 2011 لا تسير إلا بشق الأنفس وكأننا فؤجئنا أن لدينا إرادة وأننا نستطيع التغيير، ليس عيبا بالتأكيد أن نتعلم من تجارب الآخرين فمن منا لا يموت وهو مازال يتعلم، لكن الحقيقة هناك ملحوظة أحب أن أطرحها عليكم: هل يستطيع سائق الأتوبيس أن يصبح طباخا محترفا؟ وهل يستطيع الحلاق أن يدرس فى الجامعة؟ بالطبع لا. إذن لماذا كل هذا الصراخ والاعتراض ومناقشة أمر منته ومحسوم تقريبا، وهو من يكتب الدستور، ذلك الدستور الذى وضع عام 1971 وتم تعديله على مدار سنوات أكثر من مرة فى بعض المواد التى أراد النظام السابق أن يثبت بها أركانه ويظل متشبثا بالسلطة، فالأمر بديهى وغاية فى السهولة، ولا يحتاج إلى مزايدات ولا اختيار لجنة تأسيسية ولا حاجة. كنت أظن أن الخلاف أو المناقشات ستدور حول شىء واحد بعينه هو من يصلح من فقهاء الدستور لصياغة دستور متوازن وعصرى ويتلاءم مع روح الثورة وما حققناه من مكاسب، فهل يجب أن يقتصر الأمر على أهل الخبرة فقط أم يجب تمثيل الشباب من أساتذة القانون الدستورى؟، وهل نحتاج إلى مائة فقيه حتى نكتب دستورا موضوعا بالفعل أسسه وقواعده منذ زمن أم نكتفى بعشرة من نابغى الفقه الدستورى لتعديل المواد المثيرة للجدل وإضافة بعض المواد التى تعبر عن انتصار إرادة الشعب، فلا يوجد على سبيل المثال برلمان واحد فى العالم يشارك فى وضع الدستور، فلماذا إذن نحاول أن نبتدع بدعة ليس لها أصل قانونى. وكأن وضع الدستور تحول إلى نزهة خلوية يتنافس عليها الجميع أو نيشان على صدر من يشارك فيه وهو فى الحقيقة مسؤولية ضخمة لا يتحمل عبئها إلا أولى الخبرة، ورغم تقديرى لكل الشخصيات التى تمثل اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور أقول لهم أنتم لا تحبون مصر لأنكم كان ينبغى عليكم أن تكونوا أول المعارضين وغير مقبول أن توافقوا فى البداية، ثم تعترضوا كما فعل البعض، أو تستمروا حتى الآن. وأخيرا أدعو كل من يمثل الجمعية التأسيسية والذين لا يفقهون شيئا فى القانون إلى الانسحاب فورا والاحتجاج على هذه الجمعية وأن نكتفى برموز الفقه الدستورى فى مصر وهم كثر، وقتها لن نحتاج إلى اعتصام أو إضراب أو مظاهرة.