تعتبر معركة استعادة الكرامة المصرية واحدة من أهم المعارك التى قامت لأجلها ثورة الخامس والعشرين من يناير، وهى من المؤشرات المهمة الدالة على نجاح الثورة المصرية من عدمه، وتأتى قضية التمويل الأجنبى باعتبارها معركة مهمة ودالة على حال الثورة المصرية، ومؤشرا جيدا لقياس مدى أولوية الكرامة المصرية لصانع القرار المصرى. حيث إن ما حدث مؤخراً من إطلاق سراح المتهمين فى قضية التمويل الأجنبى، يؤكد استمرار النظام البائد والذى كان يردد كثيراً بأن "كرامة المصريين من كرامة مصر"، فكان المصرى يُهان فى كل دول العالم دون أن تمنحه الدولة أى اهتمام، وإن اهتمت كان الرد بكلمات لا تسمن ولا تغنى من جوع. فكان المصرى إبان العهد البائد يُشنق فى لبنان، ويُذبح فى الكويت، ويُجلد فى السعودية، ويُحرق فى الجزائر، ويُعثر على جثته فى صندوق قمامة فى اليونان، ويُقتل ويُسرق فى نيجريا، أما بعد الثورة فأصبح المصرى يُقتل ويُسحل ويُعرّى وتُفقأ عينيه فى مصر وفى قلب ميدانها الأكبر والأهم، وعلى مرأى ومسمع من العالم أجمع. يمكن القول أيضاً بأن قضية التمويل الأجنبى وما حدث فيها من إطلاق سراح المتهمين فجأة، هو بالأساس قرار سياسى ولم يأت إلا نتيجة ضغط كبير قامت به الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولكن موقف العسكر من مهاجمة هذه المنظمات فى البداية مهاجمة شرسة كان يبشر بأن عهداً جديداً قد بدأ فى معركة استعادة الكرامة المصرية على مستوى الرد، رغم أن العسكر وفى وقت قياسى هم أكثر من أهانوا تلك الكرامة، وأن هناك عهدا أكثر استمرارية من التضييق على الحريات على مستوى الفعل. جاءت تلك القضية وفى هذه الأيام التاريخية فى حياة مصر لتؤكد بأن القضاء المصرى مازال غير مستقل، فالقضاء لا يقف شامخاً سوى فى النظم الديمقراطية، ودولة القانون، وبالتالى فمصر بعد مرور أكثر من عام على ثورتها مازالت كما كانت قبل الثورة بقليل، فيما يتعلق بملف القضاء. ورغم موقف القوى الإسلامية المندد بما حدث وخاصة موقف الإخوان المسلمين، إلا أن العسكر قبل أن يُهينوا كرامة وطن بالكامل أهانوا أيضاً جماعة الإخوان المسلمين التى غضّت الطرف عن كل انتهاكات العسكر منذ قفز العسكر على سدة الحكم وصعود الإخوان السياسى الكبير، ليصبح العسكر ولأول مرة فى موقف الانتقاد من كل القوى السياسية دون استثناء. ويظل موقف مجلس الشعب باستجواب رئيس الوزراء أمر غاية فى الأهمية، لكن أعتقد أنه سينتهى كالعادة بخطاب ركيك عاطفى يذّكرنا فيه الجنزورى بفضل أنه قبل المجىء إلينا، وهو يرى أن مَن مثله كثير علينا، وبعدها سيدخل الشعب ومجلساه فى مناقشات مجتمعية حول الدستور وحول انتخابات الرئاسة، مما قد يفرغ هذه القضية المهمة من الزخم الإعلامى والنخبوى وحتى على مستوى أولويات الرأى العام فى الفترة القادمة. وكما اعتاد العسكر فى كل الأزمات السابقة التى كان شريكاً فيها بامتياز، أن يختفى بضعة أيام حتى يتناسى الناس الأزمة وتهدأ نبرة الهجوم، حتى يخرج علينا بتبرير ما فعل بل وانتقاد كل من يخالفه الرأى وأحياناً يتهمه بالعمالة والعمل على زعزعة استقرار الوطن. لكن يبدو أنه فى هذه الأزمة سيختفى العسكر اختفاءً أكبر يتناسب طردياً مع بشاعة الموقف، أتمناه اختفاءً أخيراً لا نرى بعده هذه الوجوه التى مللناها ومللنا كلماتهم ورسائلهم وأفعالهم المشينة !