هى حرب حقيقية نخوضها، يتعرض لها الشعب المصرى كله، قل إنها حرب استنزاف، لا تشبه حرب الاستنزاف التى خضناها بعد 1967 مع إسرائيل. حرب الاستنزاف الأولى لحظة مجيدة فى تاريخنا، يكفى أن رموز البطولة فيها الشهيد عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، أما حرب الاستنزاف التى نخوضها اليوم فليست مع عدو واضح ومعلن، وليس فيها شىء من الشرف، هى حرب تفوق خسائرها المادية والمعنوية خسائر معارك الميدان، كانت أقسى ضربة وجهتها إسرائيل إلينا فى حرب الاستنزاف غاراتها على مصنع أبوزعبل، وعلى مدرسة «بحر البقر»، أما الغارات اليومية التى نتعرض لها اليوم، فهى تفوق كثيراً. تأمل ما جرى فى مدينة بورسعيد، 76 قتيلاً حتى الآن، والعدد مرشح للزيادة، لأن المصابين فى المستشفيات يتم التكتم على حالة ومستوى الإصابات لديهم، ولنتذكر أن شهداء مصر فى عملية عبور قناة السويس وبناء رؤوس الجسور على القناة كان أقل من عشرين شهيداً. ما حدث فى بورسعيد ليس منفصلاً عن ظاهرة الملثمين الذين يسرقون الأموال من سيارات البنوك جهاراً نهاراً فى شوارع القاهرة، وكذلك ما جرى فى هويس إسنا، حيث أغلقه العمال، مما أدى إلى ضرب السياحة النيلية فى ذروة موسمها، وتقدر الخسائر بحوالى 30 مليون دولار يومياً، وكذلك ما جرى وسط سيناء من اختطاف 25 من العمال والخبراء الصينيين، والمعنى هنا أن السائح لم يعد آمناً فى مصر، ولا الاستثمار الأجنبى، وهى ضربة قاصمة للاقتصاد. وقد اجتهد المحللون وذهب فريق منهم إلى أنها مؤامرة يدبرها فلول النظام السابق، وذهب فريق آخر إلى أنها مؤامرة مقصود بها الإبقاء على المجلس العسكرى فى الحكم، واتجه فريق آخر إلى أنها الفوضى، وانهيار هيبة الدولة، وطالب البعض بضرورة بقاء المجلس العسكرى لعام آخر حتى تستقر الأمور. أياً كان الأمر.. مؤامرة أم فوضى، فالنتيجة واحدة، وهى أننا نعيش حرباً حقيقية، يسقط الضحايا والشهداء، وصار الدم المصرى رخيصاً وهيناً، أما النتائج الاقتصادية فحدث ولا حرج. والواضح حتى الآن أن جهاز الأمن ليس قادراً على القيام بمهامه. تأمل ظاهرة الملثمين، وظاهرة اختطاف الصبية وطلب الفدية، وكذلك سرقة السيارات، هذا يعنى أننا بإزاء عصابات منظمة، تعمل بتخطيط وبدراسة ثم تنفذ، ودور الأمن أن يدرس ويجمع المعلومات من خلال البحث والتحريات، والواضح أن هذا لا يحدث، والمفروض أن يكون الأمن قادراً على متابعة المجرمين والإمساك بهم، وهذا متعثر دون مبرر واضح. الأداء الأمنى يحتاج إلى وقفة، لكن ليس الأمن وحده، بل هناك جهات أخرى، ولنتأمل ما حدث فى بورسعيد، فمن المعروف تاريخياً أن الاحتكاك يحدث بين جمهور بورسعيد وجمهور النادى الأهلى، حدث ذلك فى الظروف العادية، فما بالنا ونحن فى ظرف مختلف، حيث الفوضى سيدة الموقف، والأعصاب منفلتة، والأحوال الأمنية فى بورسعيد ليست مستقرة، ومن ثم كان واجبًا نقل المباراة أو تأجيلها، وإذا تعذر ذلك فقد كان واجبًا تأمينها، وما يبدو أنه لم تكن هناك إجراءات أمنية، وإلا كيف سمح بدخول أسلحة بيضاء؟، وكيف يسمح بدخول لافتة بذيئة تحمل كلاماً عنصرياً بحق بورسعيد إذ كتب عليها «شعب البالة مافيهوش رجالة» كيف يسمح بهذا؟، وكيف لا تقوم إدارة النادى بنشر الوعى بين الجماهير، فلا يقدمون على هذه التصرفات، ومن يفعل ذلك يحاسب؟! سوف نترك شق المؤامرة لجهات التحقيق لتصل فيه إلى نتيجة محددة، لكن الواضح أننا إزاء تراخ أمنى تام فى جهاز الأمن ببورسعيد، ليس فقط على مستوى الحادث، بل فى أحداث سابقة، والأهم من ذلك أن جهات اتخاذ القرار فى اتحاد الكرة، وفى محافظة بورسعيد، وفى النادى الأهلى، ليست مدركة للواقع، شواهد الأمور أنهم يتعاملون كأن شيئاً لم يحدث فى مصر. لابد لحرب الاستنزاف التى يعيشها المصريون أن تتوقف، والمسؤولية الأولى تقع على المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ثم بقية أجهزة الدولة، والحكومة، وكذلك البرلمان.