كثيرا ما يردد المصريون هذا المثل "هم يضحك وهم يبكى"، حينما يتحملون هموما قد يكون بعضها مضحكا، رغم المعاناة التى تنتج عنها، ورغم قسوتها، إلا أن المصريين يصنعون من الأزمة سخرية، ومن الهم نكتة، خاصة عندما تتضمن مواقف لا يمكن لعقل أن يصدقها، فيقال عنها "هم يضحك"، وهناك هم آخر قد يجرح النفس، ويؤلم القلب، ويسيطر على العقل، ويُبكى العين، فيقال عنه "الهم اللى يبكى". نستمع إلى التصريحات المتتالية للسيد فريد الديب –أشهر محامى فى مصر، ودفاع الرئيس المخلوع، والتى يحاول بها أن يصنع حيلاً جديدة لتأخير محاكمة الرئيس السباق وتعطيلها أو إرباك الهيئة القضائية أو إرباك الشهود أو هيئة الدفاع عن أهالى الشهداء، والعجيب أن كل حيلة ليس لها صلة بالحيلة التى تليها سواء فى قضية قتل الشهداء أو قضية تصدير الغاز لإسرائيل، والأعجب أنها تستند على معلومات خاطئة، فتارة، يؤكد السيد الديب أن الرئيس السابق لم يصدر أوامر بقتل الثوار، ثم يحاول تحميل المجلس الأعلى للقوات المسلحة المسئولية، مدعيا أن أول شهيد قد سقط بعد نزول قوات الجيش إلى الشارع، ثم يُعلن أن الرئيس السابق ليس مسئولاً عن صفقة تصدير الغاز لإسرائيل، وأنها مسئولية رجل الأعمال الهارب حسين سالم، وجهاز المخابرات العامة،، وكأن الرئيس المخلوع لم يكن رئيساً للبلاد من الأساس، وليس له أن يتحمل مسئولية شىء، إذن فمن يتحمل المسئولية؟ ولكن الأعجب والأغرب، أن يُتحفنا السيد الديب بمفاجأة لم تكن متوقعة من محامى على قدر عال من الخبرة والثقافة، ويدعى أن "الرئيس المخلوع أُجبر على التنحى، وأنه لا يزال رئيساً للبلاد بموجب دستور 1971"، فهذا هو خير مثال يمكن أن نطلق عليه "الهم اللى يضحك"، فكيف لأشهر محامى فى مصر أن يحاول العبث بعقول الشعب ومشاعرهم؟، وياليته على صواب، وكيف له أن يلجأ لحيل كاذبة متصوراً أنه قادر على تبرئة المخلوع من التهم المنسوبة له؟، فلم يدرك أن فقهاء القانون وأساتذة العلوم السياسية يمكنهم الرد على ادعاءاته. تعلمنا أن (أ.ب سياسة) بتقول أن شرعية الحاكم مستمدة من رضا الشعب، أى أن استمرار الحاكم فى السلطة يتوقف على استمرار رضا الشعب، وحينما يفقد الحاكم هذا الرضا، تسقط الشرعية عن حكمه، وأن أحد وسائل التعبير عن عدم رضا الشعب، هى (الثورة)، وحينما قامت ثورة 25 يناير، واجتمع على تأييدها ملايين المصريين فى الداخل والخارج، وطالبوا بإسقاط النظام وأصروا على ذلك، فلم يعد أمام الحاكم سوى إجبار الشعب على الرضا من خلال استخدام أدوات القهر الموجودة فى الدولة ، وحتى هذه الأدوات لم تنجح، فقد انهارت قوة الشرطة أمام الثوار، وانسحبت من المواجهة، بينما تضامنت قوات الجيش مع الجماهير الثائرة، إذا لم تعد هناك وسائل أمام الحاكم لنيل رضا الشعب، فسقطت عنه الشرعية وحل محلها شرعية الثورة، ولم يعد الشعب بحاجة لتنحى الرئيس لأنه لم يعد رئيساً من الأساس بل أصبح مخلوعاً وليس متنحياً حتى وإن أصدر بياناً للتنحى. إذن فالرئيس مبارك مخلوع، وهذا الأمر لا يوجد به ثغرات يمكن من خلالها إيجاد حيلة للكذب على الرأى العام أو تضليله، فالأمر محسوم، والشرعية الوحيدة هى شرعية الثورة التى أسقطت البرلمان والدستور، وبالتالى لا يمكن الإدعاء بأن المخلوع لا يزال رئيساً بموجب دستور 1971 الذى سقط بالفعل. حقاً أنها كارثة حينما يتصور كبير المحامين أنه يمكنه تضليل الرأى العام وإرباك القضاء أو التحايل ليس فقط على القانون بل على القضاء بأكمله وعلى شرعية الثورة. أما (الهم اللى يبكى)، يسيطر على كثير من المصريين، فقد مر عام على الثورة ولم نتمكن من القصاص للشهداء من القتلة، قد مر عام دون أن يتمكن القضاء والنيابة من إثبات التهمة على القاتل الحقيقى، مر عام دون محاسبة الرئيس السابق ووزير داخليته ومساعديه، مر عام ولا نزال نسمع إدعاءات كاذبة تعبث بحقوق الشهداء وحق الشعب المصرى بأكمله. وننتظر فى المرافعة القادمة للسيد الديب أن يؤكد لسيادة القاضى بأن الثورة لم تقم وأنه لا يوجد ما يسمى بثورة 25 يناير، وأنه لا يوجد شهداء قد سقطوا، وأن الشعب المصرى كان فى حلم واستيقظ على كابوس.