لكل ليل فجر طال انتظاره ولكل حياة لحظة ميلاد يتوقف عندها التاريخ ويذكرها بكل ألق لتظل محفورة فى الذاكرة، ومنذ عام مضى فى 14 يناير 2011 كان ميلاد الأمة العربية مع الثورة البكر فى تونس الخضراء الحبيبة التى انتفضت لتبعث فينا روح العزة والكرامة والنخوة ولتعلن للدنيا جميعا أن الأمل لازال موجودا، وأن الدماء التى تبلدت آن لها الآوان أن تجرى وأن الدموع التى تحجرت فى المآقى آن لها الآوان أن تجف، وأن سنين الفساد والتكبر وعهود الظلم والطغيان لابد لها من نهاية، وأن الشعوب مهما أصابها من عطب وألم بها من خطب هى مالكة أمرها، فإذا هبت لبت وإذا قامت استقامت، وإذا عزمت قصمت فزلزلت عروش الطغيان وإقتلعتها من جذورها. ما كانت ثورة تونس إلا شرارة من نور وفجر هل وشروق حل فاستحال أن يعود للوراء أو يتراجع للخلف، فملأ الكون ضياء وألقاً وانبعث النور فانتقل بربيعه إلى الحبيبة مصر ليشرق بشمسه على قاهرة المعز فيمحو عن كاهلها ظلاما طال واستطال، وكم عانت بنى غازى وطرابلس الخير من كل الويلات والآهات والأنات حتى انتزعت فجرها نزعا ولازالت الشعوب العربية الأخرى تستمد من جذوة ثورة تونس المباركة شرارة الإباء والتضحية، ولن يهدأ لها بال حتى تحصل على ماتستحقه من حرية وحياة. حين أشعل بوعزيزى جذوة الثورة لم يكن على يقين كامل أن أمله فى الحياة الكريمة هو أمل كل من ولد على تراب هذا الوطن، وأن نبضه يسرى فى كل العروق وأن بحثه لن يطول كثيرا، فهناك ملايين البوعزيزى التى تعشق هذا الوطن، وهى على يقين تام بأنها حاضره ومستقبله وأنها صانعة المجد للوطن لا أصحاب الكراسى العتيقة، وعبدة مقاعد الحكم وعروش السلاطين الزائفة التى تخر أمام طوفان الكرامة حين ينتفض فى صدر الشعوب الحرة، فيقذف بها ليطهر الأرض والزرع والحرث من دنس من استباحوه وعاثوا فى الأرض فسادا لا هم لهم إلا مصالحهم الشخصية وجمع المال وحب الدنيا دون أدنى خوف من عقاب السماء وتصاريف القدر التى جعلت من صرخة واحدة انطلقت من تونس الخضراء لتكون ضمير أمة بأكملها، وكأن الأمة ومصيرها وقدرها كان على موعد الميلاد والمخاض فى مثل هذا اليوم منذ عام مضى. فإلى هذا اليوم وإلى كل وطنى حر أبى شريف فى تونس الخضراء تحية تليق بقامتكم وقدركم الغالى فى نفوسنا جميعا، يا من ثرتم فى وجه كل طغيان ويا من بعثتم فينا الروح من جديد بعد أن خلنا أنفسنا جسدا بلا روح، إليكم جميعا فى العيد الأول لثورتكم الطاهرة من أعماق القلب سلاما وتحية وأمنية، بقدر الأمانى الجميلة التى زرعتموها فى نفوسنا. أمنية لكم بمستقبل باهر وحاضر عتيد وفجر مديد وسعادة تدوم وأمن يعم ورخاء ينتشر وحب لا ينتهى لوطنكم الغالى الذى عانيتم من أجله، فهنيئاً له بكم وهنئيا لكم به وبالحرية التى أشرقت شمسها، وأبداً لن تغيب.