الشكر هنا لمؤسسة الأزهر العريقة، ولفضيلة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، وللمثقفين، على الوثيقة التاريخية التى أطلقوها، اليوم الثلاثاء فى بيان، ضماناً للحريات الأساسية، وترسيخا لحرية البحث العلمى والإنسانى وحرية العقيدة والتفكير والإبداع الفنى والأدبى، ورغم تأخر الأزهر كثيراً فى إقرار مثل هذه المبادئ الموجودة والمتعارف عليها منذ بداية عهد النهضة فى أوروبا، إن لم يكن قبلها، ولكنها مبادرة تستحق الشكر والالتفاف حولها ودعمها بكل الوسائل الممكنة. وجه الأهمية الأكبر لهذه الوثيقة أو المبادرة أنها لا تقصر الإسلام فى مجموعة من العقائد والعبادات والأشكال، ولكنها تتعدها، لما هو أعمق للإسلام بمعناه الحضارى والتقدمى، تستلهم تجارب علماء كابن سينا والرازى وابن النفيس، هؤلاء الأفذاذ الذين كُفروا فى زمانهم، واتهموا بالزندقة والإلحاد من التيارات الظلامية التى وجدت طوال تاريخ الحضارة الإسلامية، ولكنها سريعا ما كانت تتلاشى حينما يحاصرها الفكر المستنير والأفكار العميقة. وليس غريبا أن تظهر هذه الأفكار الظلامية مرة أخرى هذه الأيام، هذه الأفكار وليدة عصر الانحطاط المباركى، فلا عجب أن نجد الشيخ حازم شومان يستهزئ بالعالم أحمد زويل وبإنجازه غير المسبوق فى أبحاث الفيمتو ثانية، ونجد كذلك نفس الشيخ يقتحم إحدى الجامعات الخاصة، ويسىء لجامعة القاهرة فى أحد مدرجاتها ويعتبرها تعمل ضد شرع الله. كما وجدنا كذلك الشيخ عبد المنعم الشحات يعتبر أدب نجيب محفوظ يدعو للدعارة والانحطاط، لذلك جاءت هذه المبادرة لتحمى حرية الإبداع فحسب نص الوثيقة "فالإبداع الأدبى والفنى يتمثل فى أجناس الأدب المختلفة، من شعر غنائى ودرامى وسرد قصصى وروائى ومسرح وسير ذاتية وفنون بصرية تشكيلية وفنون سينمائية وتليفزيونية وموسيقية، وأشكال أخرى مستحدثة فى كل هذه الفروع، أن الآداب والفنون فى جملتها تستهدف تنمية الوعى بالواقع، وتنشيط الخيال، وترقية الإحساس الجمالى، وتثقيف الحواس الإنسانية، وتوسيع مداركها، وتعميق خبرة الإنسان بالحياة والمجتمع، كما تقوم بنقد المجتمع أحيانًا، والاستشراف لما هو أرقى وأفضل منه، وكلها وظائف سامية تؤدى فى حقيقة الأمر إلى إثراء اللغة والثقافة وتنشيط الخيال وتنمية الفكر، مع مراعاة القيم الدينية العليا والفضائل الأخلاقية". أظن أن الوثيقة بهذا الشكل لا يمكن أن يختلف على مبادئها أحد، سواء من التيارات الليبرالية والعلمانية أو الإسلاميين، لذلك أدعو الجميع لضرورة دعمها، وأعتبرها أول اختبار لضمان الحريات التى يتشدق بها الجميع هذه الأيام. كما أتمنى أن تنتقل بنود هذه الوثيقة من كونها كلاما يقرأ لواقع يتحقق بنا، وألا تُنسى عند أول اختبار حقيقى، وأتمنى بناء عليها أن يراجع الأزهر كثيراً من ملفاته القديمة التى أدانت الكتاب وساهمت فى مصادرة الكتب وتعطيل الفكر التقدمى، وأتمنى أن يتخلص الأزهر العريق من أصحاب دعاوى التعصب الذين يحاولون السيطرة عليه، وبث سمومهم فى عضضه.. عاش الأزهر منارة للإسلام الوسطى المعتدل، وعاش مثقفو مصر وكتابها ذخراً للأمة المصرية والعربية والإسلامية. موضوعات متعلقة: الأزهر والمثقفون يطلقون منظومة الحريات الأساسية.. تجريم الإكراه فى الدين.. ورفض الإقصاء والتكفير.. ليس من حق أحد أن يثير النعرات المذهبية باسم حرية التعبير