قبل الثورة كانت هناك مقالات وتنظيرات عن دور المؤسسة العسكرية، بعد إسقاط نظام مبارك، وكانت الفكرة المطروحة فى أوساط الشباب الذى كان يعمل منذ سنوات على إسقاط نظام مبارك هو أن تكون المؤسسة العسكرية هى الحامى للشرعية، وهى من يحمى الهوية المصرية المتعارف عليها منذ سنوات ومنع أى فصيل من الاستئثار بالسطة بطريقة غير شرعية. وكنا بالفعل نتمنى أن تكون المؤسسة العسكرية هى المرجعية الحيادية التى تتدخل بحيادية عند استفحال الأمور أو فى الأزمات الخطيرة التى تهدد الشرعية. وفى نهاية يوم 28 يناير عندما انهزمت قوات الداخلية أمام جموع الشعب الثائر وبعد نزول القوات المسلحة وبدء حظر التجوال وبدء هتافات «الشعب والجيش إيد واحدة»، راقب البعض موقف المؤسسة العسكرية ببعض القلق والريبة وخصوصا مع موقفهم الذى كان واضحا أنه لم يتم حسمه بعد من الثورة والذى أعتقد أنه تم حسمه بعد موقعة الجمل وتأكيد أن الشعب لن يسمح ببقاء مبارك فى السلطة. ومنذ بدء التفاوض واللقاءات بين شباب الثورة وبين المجلس العسكرى اتضح أن المجلس العسكرى لا يهمه من الثورة سوى وقف مشروع التوريث وفقط وأنه لا يعى مفهوم الشباب للثورة الحقيقية وهو تغيير نظام مبارك بالكامل وليس فقط وقف مشروع التوريث. وازداد الإحباط والغضب والاحتقان بين صفوف شباب الثورة مع تجاهل المجلس العسكرى لمطالب الثورة وإصراره على الاستفتاء المعيب الذى أدخلنا فى متاهات لا داعى لها ولاستمرار السياسات القمعية للمجلس العسكرى فى فض التظاهرات بالقوة واستمرار المحاكمات العسكرية للمدنيين وتشويه شباب الثورة بداية من البيان 69 واتهام حركة 6 أبريل وشباب الثورة بالعمالة لجهات خارجية. لن أخوض كثيرا فى تفاصيل من المخطئ ومن الذى بدأ أولا، ولكن أعتقد أن الوضع الحالى واستمراره سيؤدى لكارثة محققة، واستمرار الاحتقان بهذه الصورة سيزيد من استمرار الفوضى ويهدد بدخول مصر فى نفق مظلم من الفوضى وعدم الاستقرار. لن أتحدث أيضا عن الإجراء غير المبرر وغير المسبوق باقتحام مقرات بعض منظمات المجتمع المدنى والتوتر الذى سيحدث من جراء هذا التصرف الذى فسره البعض بمحاولة هدم للدولة بهدم المجتمع المدنى الذى يعتبر عنصرا أساسيا لنهضة أى أمة. وأعتقد أن المجلس العسكرى هذا الأسبوع سيدرك جيدا أن نفس الجهات التى يتهمها بتمويل منظمات المجتمع المدنى المصرية هى نفس الجهات التى تمنح مصر معونات عسكرية سنويا 1.3 مليار دولار وتمنح الحكومة المصرية ملايين الدولارات لمشروعات اقتصادية واجتماعية، وأن وقف التمويل الخارجى لمنظمات المجتمع المدنى سيكلف وقف المعونة العسكرية والتمويل الأوروبى للعديد من المشروعات والخدمات لأنها مرتبطة بحالة حقوق الإنسان. لا أدافع فى هذا الموضوع عن أى جمعيات أو منظمات بها شبهة فساد مالى أو تحصل على تمويلها بصورة غير قانونية ولكن يجب توضيح ما هى الجمعيات التى تعمل فعلا لصالح البلد والأخرى التى بها بالفعل فساد مالى وأين يتم صرف هذا التمويل، وما هى الجمعيات التى تصرف تمويلها لصالح مصر والأخرى التى تعمل لأهداف فاسدة. أما إن كانت هناك رغبة فى إيقاف أى تمويل للتأكد من عدم وجود أجندات أو محاولة للتأثير على القرار الوطنى فيجب رفض المعونات العسكرية والاقتصادية من جميع الدول ومنع أى تمويل بما فيه السعودى والقطرى والإيرانى وليس الأمريكى والأوروبى فقط. وأخيرا فأنا أهدف حقيقة فى هذا المقال إلى القول بأنه رغم كل ما حدث من عنف وتشويه وعناد فإن هناك فرصة لا تزال موجودة لإعادة بناء الثقة بين المجلس العسكرى وشباب الثورة من أجل الخروج من هذا النفق المظلم، ولكن فى هذه الحالة على المجلس العسكرى أن يبادر بمؤشرات وبوادر بناء الثقة مثل وقف حملات التشويه ضد المجموعات الشبابية ووقف المحاكمات العسكرية للمدنيين والتحقيق الجاد والمستقل فى أحداث محمد محمود وقصر العينى وعقاب كل الضباط المتورطين فى قتل المتظاهرين ووقف الإعلام التحريضى ضد الثورة وشبابها، ونعتقد إن تم البدء فى هذه الخطوات فسيكون نواة حقيقية لفترة جديدة من الثقة المتبادلة والبناء ووقف التوتر.