بدأوا مسيرتهم بالهتافات والأناشيد وإلقاء الخطب، بدأوها من حديقة خاصة فى وول ستريت فى سبتمبر الماضى ووعدوا بالاستمرار فيها على مدار السنوات المقبلة، وجذبوا الانتباه إليهم من جميع أنحاء العالم وانضم إليهم زملاؤهم المحتجون فى واشنطن العاصمة وبورت لاند وفى عدة مدن أخرى بجميع أنحاء البلاد، إنهم محتجو «احتلوا وول ستريت»، الذين دقوا جرس الإنذار لصانعى السياسة الأمريكية بشأن انعدام المساواة فى البلاد، و«اليوم السابع» كانت هناك وتابعت لحظة بلحظة تطور مسار حركات الاحتلال الثورية التى أصبحت تمثل ظاهرة جديدة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية استجابة للربيع العربى، خاصة ثورة 25 يناير فى مصر، فيما يتوقع محللون امتداد هذه الحركات الثورية الجديدة إلى أوروبا ومختلف دول العالم فى القريب العاجل. حركة «احتلوا وول ستريت» منذ أن بدأت وهى تتعرض لحملات اعتقال متكررة من الشرطة الأمريكية، فخلال الأسبوع الماضى فقط تم اعتقال العشرات من ناشطى الحركة بعد أن نزل مئات من المحتجين إلى شوارع مدينة نيويورك مساء السبت الماضى فى محاولة لإقامة مخيم جديد فى أرض مملوكة لكنيسة. وعلى غرار «احتلوا وول ستريت» أعلنت حركة «احتلوا حى كولومبيا» فى العاصمة الأمريكيةواشنطن اعتزامها استكمال أنشطتها حتى الربيع المقبل، حتى يتم تسمية احتجاجاتهم بالربيع الأمريكى على غرار الربيع العربى، إذ تتجمع جميع حركات الاحتلال البالغة نحو 400 حركة فى حى كولومبيا وينطلقون من هناك، حيث مقر الحكومة الفيدرالية، فيما يتم تدشين جمعية عامة لجميع «حركات الاحتلال الثورية» عند مقر مؤسسة النقود الوطنية. ويقدر عدد الأعضاء المعتصمين حاليا فى حركة حى كولومبيا بنحو 180 شخصا، بينما يساعد مواطنو مدينة بوسطن محتلى حى كولومبيا بالعديد من التدريبات والتمرينات المختلفة أبرزها عدم اللجوء إلى استخدام العنف. المثير أن هناك العديد من غير الأمريكيين يشاركون حركات الاحتلال مثل شباب أمريكا اللاتينية أو العرب المقيمين فى الولاياتالمتحدة، التقينا منهم شابا عراقيا، وأخريين فلسطينيين، بالإضافة إلى فلسطينية تعيش فى رام الله وانضمت مؤخرا إلى حركة «احتلوا حى كولومبيا»، حيث أكدت ل«اليوم السابع» أنها جاءت فى أغسطس الماضى، قائلة بسخرية عن سبب رغبتها فى مشاركة حركة الاحتلال: «أمريكا تساعد احتلال بلادنا منذ القدم ونحن هنا نحتل بلادهم». وعلى الرغم من التفرقة غير المباشرة بين الأمريكيين البيض والسود، إلا أن العكس صحيح فى حركات الاحتلال، فلا فرق بين أمريكى أسود وآخر أبيض، وأعرب المعتصمون ل«اليوم السابع» عن أملهم فى أن يؤدى ما يفعلونه إلى نتيجة، خاصة مع البنوك التى سحب العديد أرصدتهم منها ليضعوها فى اتحادات، لذا فكثير من البنوك يخسر أو يرفض إيداع الأموال، وقال أحدهم: «هناك خوف من الدولة ومن اليمين المتطرف منا، يتساءلون عن سر الاستمرار فى كثرة أعدائنا وشعبيتنا». ولم ينس معتصمو حى كولومبيا شجرة الكريسماس خارج خيماتهم، فيما توجد فى الداخل جرائد تابعة لهم مثل «احتلوا وول ستريت»، بالإضافة إلى استمارات يملأها الراغبون فى البيات ويخصصون شبه مسرح للاجتماع الصباحى الذى يعقد فى تمام التاسعة لمناقشة جدول أعمالهم، فضلا على وجود سبورة يكتب عليها معايير الانضمام للحركة واسم من يحضر وينصرف من الأعضاء، على أساس أنهم جماعة واحدة، بالإضافة إلى ما يحتاجونه من خيم وملابس وطعام وبطاطين وإمدادات طبية وقهوة وسكر وأطباق وأحذية ومدفئات وأجهزة حاسبات محمولة ونظارات للقراءة وشواحن كهربائية وكشافات. وعن تأثرهم بميدان التحرير أكدت إحداهن: «فكرتنا جاءت من ميدان التحرير، فما حدث فى مصر ألهم الناشطون هنا كثيرا، ونحن نقرأ عن الوضع فى مصر من خلال الصحف، ودائما مصر فى القلب وعلى البال». وعلى النقيض مما حدث فى شارع وول ستريت حيث التعامل الوحشى مع المعتصمين هناك، أشار المعتصمون فى حى كولومبيا إلى أنهم لا يفعلون أى شىء ضد القانون، قائلين إن علاقتهم مع الشرطة هنا جيدة جدا وأنها تساعدهم كثيرا. «اليوم السابع» اتجهت شمالا حيث شارع وول ستريت فى مدينة منهاتن بولاية نيويورك، إلا أننا وجدنا الشارع على حالته الطبيعية تدب فيه الحياة بشكل اعتيادى لتحاول بورصة نيويورك العودة إلى السيطرة، وذلك بعد أن فضت شرطة منهاتن وبشكل عنيف اعتصام المتظاهرين هناك. وعلى مدخل وول ستريت وجدنا أربعة من الشباب، ثلاث فتيات وشابا، مضربين عن الطعام منذ 12 يوما اعتراضا على فض اعتصامهم السابق، وفى أثناء حديثنا جاءت قوة من شرطة المدينة تطالبهم بالرحيل، إلا أن إحدى الفتيات ردت عليهم بأنهم لا يفعلون شيئا غير قانونى، بينما تقف داخل وول ستريت أربعة سيارات للشرطة استعدادا لمنع أى تجمع من المتظاهرين. ومع مرور الأيام ما زالت حركة «احتلوا وول ستريت» تصيح فى وجه الشركات ورأس المال، ماضية فى المطالبة بسياسة اقتصادية واجتماعية أكثر عدلاً ورحمة، محاولة تحقيق ما نادت به من مطالب، فمنذ أن بدأت المظاهرات عندما نادت بها مجموعات على موقعى فيس بوك وتويتر، وذلك تأثراً بحركة ثورات الربيع العربى التى أسقطت ثلاثة أنظمة حاكمة فى الوطن العربى ووصلت إلى نظامين آخرين بأعلى درجات الاحتقان، وهى مستمرة فى مطالبها بإصلاح النظام المالى الأمريكى، وتوجيه الاحتجاجات ضد ما يعتبرونه «ظلماً اجتماعياً» نتيجة النظام المالى، مستمرين فى دعوتهم الأساسية «لن تصادر المصارف بيوتنا، ولن تسلب الطلاب المستقبل، ولن تقدر على تدمير البيئة، ولن تمول الحروب البائسة، ولن تتسبب المصارف فى كم هائل من البطالة، كما لن تحقق أرباحا من الأزمات الاقتصادية دون مشقة».