كان مصطفى يحلم بربيع دافئ وسط أشجار الزيتون التى تلف قريته، وبيته الذى شيد للتو استعدادًا لاستقبال حفل زفافه، وأرضه التى طالما احتضنت طفولته، وخففت من غلواء احتلال يتربص به، خرج لا يلوى على شئ سوى استكمال ما كان حريصًا عليه، مناهضة الاحتلال الشرس بجسده الضئيل، مسلحًا بإيمانه بعدالة قضيته، مصممًا رغم عدم التكافؤ بينه وبين جنود الاحتلال الإسرائيلى على إيصال رسالته المشروعة.. أنا هنا وسأموت هنا.. وقد كان..! رشق مصطفى التميمى حجارة بلا اعتذار وبلا خوف، لا فى ذلك اليوم فقط، بل فى كل يوم جمعة تقريبًا، وقد كان يخفى وجهه أيضًا، لا خشية من زنزانة الاعتقال التى عرفها من قبل، بل ليحافظ على حريته كى يستطيع الاستمرار فى رمى الحجارة ومقاومة سلب أرضه، وقد فعل هذا حتى لحظة موته. تساءل متحدث قيادة الجيش الإسرائيلى فى موقعه على تويتر من جملة ما تساءل عنه: ما الذى يفكر فيه مصطفى التميمى حينما جرى وراء سيارة جيب عسكرية سائرة ورشق الحجارة؟! هكذا ببساطة وسخرية فسر الجندى الإسرائيلى لماذا كان التميمى متهما بموته؟!! قال على صفحته: "أطلقت النار على رأس مصطفى التميمى من قرية النبى صالح من مدى قصير يوم الجمعة"، فى تشفى وتباهى مفضوحين. بعد ذلك ببضع ساعات فى صباح يوم السبت توفى مصطفى متأثرًا بجراحه، أطلقوا عليه قنبلة غاز من داخل سيارة جيب عسكرية مدرعة عن بعد أمتار معدودة، ولم يطلق عليه القنبلة من أطلقها خوفًا، فقد سدد فوهة البندقية من خلال باب السيارة المدرعة وأطلق بتعمد واضح. التميمى مات لأنه رشق الحجارة، ومات لأنه تجرأ على قول الحقيقة مستعينًا بيديه فى مكان تمنع فيه الحقيقة، همدت جثة التميمى، لأنه امتلك الشجاعة ليرمى الحجارة فى اليوم الذى بدأت فيه الانتفاضة الأولى قبل 24 عامًا، وهى الانتفاضة التى خرج منها أطفال الحجارة الفلسطينيون. الجندى الذى أطلق القذيفة باتجاه مصطفى كان يقصد قتله، مصطفى ذلك الشاب اليافع الناشط فى المظاهرات التى تنظم فى القرية، وأمضى شهورًا فى سجون الاحتلال، شريط الفيديو يظهر أن الجندى الذى أطلق القذيفة باتجاه مصطفى من مسافة قريبة جدًا يؤكد أن هناك قرارًا إما من ضابط الدورية أو الحكومة الإسرائيلية بنية القتل العمد. لم يكن مصطفى الأول ولن يكون الأخير فى قافلة شهداء الحرية ومقاومة الظلم والاحتلال، أدمى مصطفى قلب أهله وأهل قريته، كما أدمى قلوب الكثيرين من مشيعيه، لم يكن مصطفى مجرد ناشط يمارس عملا يؤمن به فقط، بل كان رمزًا لكل أبناء جيله الرافضين للاحتلال، المصرين على مقاومته ودحره حتى آخر رمق من حياة. اعتاد أهالى قرية النبى صالح فى فلسطين التظاهر السلمى كل يوم جمعة منذ عامين، احتجاجًا على مصادرة أجزاء واسعة من أراضيهم لصالح بناء المستوطنات، ومصطفى هو أول شاب يقتل فى هذه المظاهرات، ورغم سلميتها يحاول جيش الاحتلال الإسرائيلى أن يسبغها بمظاهر العنف بالقتل المتعمد للمتظاهرين، حتى تتحول المقاومة السلمية إلى العنف المسلح وتتوه القضية الأصلية عن الخريطة ومعادلة الصراع القائم بين إسرائيل والفلسطينيين. فهل يذكرنا اختيار مصطفى لنهايته بشىء؟.. ربما!!