لقد استأثرت الجماعة بأكثرية مقاعد المرحلة الأولى فى الانتخابات البرلمانية التى مازلنا نعيش الآن باقى مراحلها، والتى من المنتظر حصولهم على نصيب الأسد من الكعكة البرلمانية، ولسنا بآسفين على ذلك، فهو ما جاءت به الصناديق وليتحمل الشعب نتيجة اختياره لأول مرة فى تاريخه. والراصد لكم المناورات والتحركات السياسية، والتى تتصف فى بعض الأحيان بالسذاجة السياسية، التى تقوم بها الجماعة فى الفترة التى تبعت نفض أياديهم عن مواصلة الحفاظ على مكتسبات الثورة سيكتشف دون بذل أى مجهود ذهنى أننا أمام إستراتيجية سياسية ذات عدة أبعاد تكتيكية واضحة تعمل على كثير من المحاور، وتؤدى إلى نتيجة واحدة مفادها أن الإخوان المسلمين يستخدمون هذا الكم الهائل من المناورات السياسية للفوز بالجزء الأكبر والأهم من الكعكة الثورية، وهى المجلس التأسيسى لإعادة صياغة الدستور، إن لم نكن أمام محاولة احتكار سياسى، لا يعلم عقباها إلا الله، فى سياقِ الإحلال والتبديل. هذا التكتيك الذى جعلهم يرفضون النزول للميدان فى الموجة الثانية من الثورة والتى بدأت عقب مليونية 18 نوفمبر، التى شاركوا فيها، ولكنهم، فيما بعد، رفضوا حتى النزول لحماية أسر الشهداء والمصابين الذين نُكل بهم منذ يوم السبت 19 وحتى الهدنة التى وصل إليها المعتصمون مع الشرطة. هذه الموجة الثورية التى نزلنا خلالها على استغاثات أبناء هذا الوطن عبر تويتر وفيس بوك، والتى لم يرق لها قلب قيادات الجماعة. الموجة الثانية التى لولاها لما أعلن العسكر عن جدول زمنى لتسليم السلطة، وهى اللحظة التى تنتظرها الجماعة بفارغ الصبر. لا يستطيع أحد أن ينكر مشاركة الإخوان المسلمين وتأثيرهم فى نجاح الثورة منذ جمعة الغضب الأولى، وخاصةً خلال موقعة الجمل الشهيرة، نظراً لما تتمتع به الجماعة من جناح عسكرى له القدرة على التعامل مع عمليات قتال الشوارع جنباً إلى جنب مع الثوار، حتى تحققت أهداف الثورة وفق رؤيتهم الضيقة لهذه الأهداف، وهذه الأمور ليست رأياً ولكنه واقعٌ سياسى لا يمكن إنكاره. ولكن..!؟ بتحليلٍ بسيط للمواقف السياسية للجماعة فى العشرة أشهر الماضية، ومن قراءات لتصريحات ومواقف قيادات الجماعة وآلاتها الإعلامية، يظهر على السطح تساؤلاً هاماً، وهو: هل الإخوان يؤمنون بفكرة الدولة أصلاً أم أن عقيدتهم نابعة من انتماءاتهم للجماعة؟!، ونجد، فى هذا السياق، أن تراجعاً كبيراً ظهر واضحاً فى رغبتهم فى الحفاظ على مكتسبات الثورة، نظراً لرغبتهم الجامحة فى الوصول لسدة الحكم، وهذا الأمر لافتٌ للنظر ولا يحتاج إلى تحليل أو تدقيق. إن الجماعة. -2- شنت هجوماً، يصل لدرجة التجريح تارةً وكيل الاتهامات تارةً أخرى، ضد أى رأى كان يرغب فى تهيئة المناخ السياسى قبل إجراء انتخابات، وهذه الرؤى نابعة من رغبة القوى السياسية فى عدم وضع العربة أمام الحصان. بينما يبنى الأخوة فى الجماعة رؤيتهم على أن هذه الآراء محاولة للانقلاب على الاستفتاء والشرعية الشعبية. وبسؤالٍ بسيط لمُنظِرى الجماعة، أو لم يكن الإعلان الدستور وإضافة بنودٍ دستورية إلى ما تم الاستفتاء عليه انقلاب على الاستفتاء؟ أو ليس الاستفتاء الشعبى يأتى على نصوصٍ لا يمكن الإضافة أو الحذف منها؟ لن تجد إجاباتٍ دستورية أو حتى منطقية لهذه الأسئلة سوى الديماجوجية والسفسطة التى لا تؤدى إلى خيرٍ لهذه البلاد. لقد تعهد المجلس العسكرى الحاكم بأن الدستور القادم سيكون ديمقراطياً، إلا أن القيادة العسكرية اعتمدت على خبراء دستوريين وقانونيين، محسوبين على التيار الإسلامى وكانوا الأبرز داخل لجان التعديل الدستورى، من أمثال العضو البارز فى الجماعة صبحى صالح، صاحب التصريح الشهير "الإخوانى لا يتزوج إلا من داخل الجماعة"، والمستشار طارق البشرى لتعديل مواد الدستور المصرى، كما فتحت وسائل الإعلام ذراعيها، وخاصةً المسماة بالقومية والحكومية، بشكل غير متكافئ مع الآخرين لأعضاء الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى. وعلى الرغم من أن الجماعة أعلنت فى السابق أنها قررت المنافسة فى نصف الدوائر الانتخابية فقط، إلا أنها تخوض الانتخابات فى جميع الدوائر تقريباً فى مناورة سياسية واضحة وساذجة. ويبرز هنا رفض قيادة الإخوان تأجيل الانتخابات، لأنها تخشى فقدان الدعم الشعبى فى حال صدور أحزاب قادرة على العمل السياسى مستفيدة من عنصر الوقت، الذى هو بالطبع ضد أجندتهم تماماً. لقد قدمنا طرحاً سياسياً للمتلقى المصرى لعملية "السلق السياسى" التى رغبت فيها الجماعة وحققتها، والتى تؤكد أن صالح الجماعة عند أبنائها يأتى قبل صالح الوطن، ليس هذا فحسب ولكننا أما محاولة سياسية جلية للاحتكار السياسى مباركة من الجماعة وساسة واشنطن والمجلس العسكرى تنطلى أو لا تنطلى على المواطن المصرى هذا ما سيتضح مستقبلاً، ولكن هذه الإستراتيجية السياسية لها عدة مناورات تكتيكية: 1) استخدام الإخوان فزاعة المادة الثانية ودواعى الاستقرار فى الاستفتاء الدستورى، واللعب على أوتار البسطاء من الشعب المصرى لضرب محاولات وضع دستور جديد التى طالب بها كل الائتلافات الشبابية والقوى السياسية المشاركة فى الثورة. 2) إعلان عدم الرغبة فى الاستئثار بالبرلمان، حتى لا ُيشن هجوماً عليهم ويتم اتهامهم بمحاولة إحلال الجماعة وتبديلها للحزب الوطنى المنحل، ثم الانقلاب على ذلك والعمل على احتكاره حالياً. 3) خروج بعض قيادات الإخوان وتأسيس أحزاب أخرى غير الحرية والعدالة للاستئثار بالكعكة البرلمانية، بالمعنى الاقتصادى السوقى الشهير (الجماعة تأكل نفسها). 4) جاءت المناورة الثالثة بإعلان عدم الرغبة لدى الإخوان فى دخول معركة الانتخابات الرئاسية. 5) نكث العهد وطرح مرشحين من أبنائها للمعركة الرئاسية بعد إعلانها عدم رغبتها فى الرئاسة، وهما د.عبد المنعم أبو الفتوح ود.محمد سليم العوا. 6) محاولة إشعار الرأى العام بأن هذه المناورات السياسية تندرج تحت وجود انقسامات داخل الجماعة والصراع بين التيار الأصولى والتيار الإصلاحى. نحن أمام العديد من المناورات السياسية مفادها أن جماعة الإخوان المسلمين تعد العدة لعملية سياسية كبرى تسيطر من خلالها على البرلمان وهو الهدف التكتيكى، بغية السيطرة على اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور المكونة من مائة عضو وهو الهدف الاستراتيجى. هدف استراتيجى يتيح للإخوان المسلمين وضع دستور جديد وفق رؤى وتطلعات إخوانية تؤسس لخدمة مصالح واستراتيجيات الجماعة فى المستقبل على المدى البعيد، وظهر ذلك فى تحذيرهم الواضح للمجلس العسكرى بأن أى محاولة لوضع دستور قبل الانتخابات سيقابل بالوقوف من قِبل الإخوان ضد المجلس، وكذلك رفضهم بشدة لفكرة المجلس الاستشارى وانسحابهم منه، وهم بالطبع أمام فرصة تاريخية لم ولن تتكرر ولن يفوتوها. أما فيما يتعلق بالرئاسة، فصلاحيات المؤسسة الرئاسية فيما بعد صياغة دستور جديد هى التى ستحكم وتحدد الرغبة فى الحصول عليها من عدمها. لسنا ضد أحد ولا نزكى طرفاً على آخر ولست حزبياً أو محسوباً على فصيلٍ سياسى بعينه ولكنى أنتمى لفكرٍ يرغب فى تحويل هذه الفرصة التاريخية لرخاءٍ سياسى يعم البلاد لا يستأثر بنا مرة أخرى حزبٌ أو فصيلٌ بعينه أو فرعون آخر. حما الله مصر وولى عليها من يصلح فيها. باحث سياسى وعضو ائتلاف شباب الثورة