"وقف الخلق ينظرون جميعاً كيف أبنى قواعد المجد وحدى.. وبناة الأهرام فى سالف الدهر كفون الكلام عند التحدى" كلمات شاعر النيل حافظ إبراهيم، أخذت أرددها وأنا أرى العواجيز قبل الشباب يصطف للإدلاء بصوته فى احتفالية وإصرار يعكس العزم على الاستمتاع بمنجزات الثورة وتطوير الحالة الثورية "اللى إحنا عايشنها" والحفاظ على ديمومتها وكشف المنافقين وراكبى الموجة. النتيجة أن العالم كله تعجب من إرادتنا وعزمنا وشوقنا للحرية بعد المشاكل التى حدثت فى التحرير والخوف من اللى حيحصل فى الانتخابات. شوف ياصاحبى لما أقولك إحنا شعب صاحب تاريخ يظهر معدننا الحقيقى عند المصائب والمحن. الرسالة للثوار ليعرفوا أنهم نجحوا فعلاً فى إسقاط نظام مبارك وفلوله التى حكمتنا طوال العقود الماضية، وخلقوا وعياً فى الشارع بجد، وأنهم أمام تحديات عظيمة تقتضى تفكيراً جماعياً وعملاً متواصلا، أما الخوف من إمكانية أن تسيطر قوة غير ديمقراطية، كما يدعى البعض على الإخوان المسلمين والسلفيين أو قوى تحمل أجندات خارجية تستغل البعض لمصالحها الضيقة غير حقيقى. السبب أن من رأى مشهد الانتخابات يستخلص الحكمة والعبرة بأن الشعب فاق وتعلم وحيغير. الثورة مش فانوس سحرى حيحقق كل المطالب فى لحظات، لكن الشعب فاق من الطغيان وعرف أن صوته حيفرق. المشكلة أننا اتربينا على الخوف من التغيير ونتوجس من الجديد، لأن خبراتنا فى هذا المجال سيئة منذ عهد المماليك، فالجديد دائماً أسوأ من القديم، والتغيير دائماً إلى الأسوأ، والمنحنى فى النازل وأمثلتنا بتقول "اللى تعرفه أحسن ممن لاتعرفه" و"يا قاعدين يكفيكم شر الجايين" ، هكذا كنا نفكر ونسير. المدهش أن الثورة حركت الشعب والإيجابية بدأت تُعبر عن نفسها بأشكال مختلفة. النتيجة أن الشعب أصبح طرفاً أساسياً فى معادلة الحكم، بعد أن كانت المشاركة لغة غريبة وغائبة عنا منذ قرون. السبب أننا كنا نعيش إما تحت سيطرة دولة مركزية أو من خلال مجتمع قبلى، علشان كده اتربينا وعشنا من غير أى أنواع من المشاركة أو حتى الشورى أو الديمقراطية، فأغلبنا على أرض الواقع وبعيداً عن كلام المجاملات، نريد أن نأكل ونشرب ونحقق طموحاتنا بدون مشاركة. البعض حيقول ده بسبب الظروف الاقتصادية السيئة حقوله غير صحيح، الدليل أن الدول العربية والإسلامية ذات المستوى الاقتصادى المرتفع، ينطبق عليها نفس الكلام. أنا عندما أتحدث عن المشاركة، فأنا لا أعنى بها فقط الانتخابات والنشاط السياسى، ولكنى أعنى الممارسة الحياتية اليومية. شوف ياصاحبى لما أقولك السلبية دمرت حياتنا وقهرت سلوكنا، وكنا نرى الخطأ ولا نتحرك لتغييره، ووصل الأمر لممارسة نفس الخطأ وتبريرة. الدليل أن معظمنا لا يؤدون ما عليهم فى أعمالهم ... المدرس يعطى رُبع طاقته للطلبة فى المدرسة ويوفر الباقى للدروس الخصوصية، والطبيب يُفضل أداء العملية الجراحية بالمستشفى الخاص بآلاف الجنيهات ويتهرب منها فى المستشفى العام، دى وغيرها نماذج تؤكد، التباطؤ والسلبية وعدم الدقة فى العمل والإهمال واللامبالاة اللى انتشرت وتعمقت فى حياتنا، باختصار المشاركة فى الانتخابات والحماس للتغيير أول خطوة على طريق نجاح الثورة. عارفين قصه الفيل والحبل الصغير الذى يتم تقييده به حول قدمه الأمامية فى حديقة الحيوان، من غير سلاسل ضخمة ولا أقفاص، طبعاً الفيل يستطيع وببساطة أن يتحرر من قيده فى أى وقت، لكنه لسبب ما لا يفعل عارفين ليه؟ لأنه حينما كان حديث الولادة، كان يستخدم نفس حجم القيد الحالى لربطه. وكانت هذه القيود -فى ذلك العمر كافية لتقييده ،وكبر معتقدًا أنه لا يزال غير قادر على فك القيود والتحرر منها. الكثير منا أيضاً يمضون فى الحياة معلقين بقناعة مفادها أنهم لا يستطيعون إنجاز أو تغيير شىء، لأنهم ببساطة يعتقدون أنهم عاجزون عن ذلك، أو أنهم حاولوا ذات يوم ولم يفلحوا،فكثيراً ما نسمع كلمة : مستحيل، صعب، لا أستطيع وهذه ليس إلا قناعات ليس لها من الحقيقة شىء وخلاص الشعب فك قيوده وعرف قوته.