غدت الحياة فى مصر بعد الثورة صاخبة كبحر لُجى هائج هادر مترامى الشطآن مصطفق الأمواج لم تعرف صفحة مياهه النقية العذبة الهدوء ولا الاستقرار وهذه الصورة تمثل مناخنا السياسى الحالى بكل تداعياته، فالحوارات تحتدم بين الأحزاب بلا نقاش فهى أشبه بقاذفات الرعد وسط ظلمات حالكة يغشاها موج المطامع الآنية، ومن فوقه موج الخلافات السرمدية ومن فوقه سحاب محملة بوابل من الانقسامات الأزلية، وهذه الصورة إنما تصور لنا الحياة فى مصر الآن وكأنها البرق الخاطف إذا مددنا البصر فإننا لم نكد نرى وميض المستقبل القريب بعيدا من خلاله. والواقع أن ثورة الشباب هى ما أحدثت كل هذه المتغيرات لكنها للأسف لم تشأ أن خبا نورها وكأنها تحولت إلى انتفاضة شعبية ثم توارت بعد ذلك خلف الحجب وهى لا تكاد تسبح الآن فى بحر النسيان بعد أن أوهنت الخلافات أحزاب ائتلاف الثورة وفرقتهم شيعا وأحزابا وأمسى كل فريق منهم لا يرى إلا ما يناسب أفكاره ويحقق أهدافه وطموحاته دون النظر إلى مصلحة مصر الوطن التى تضرجت بالدماء من أجل استعادته من التوريث جثامين الشهداء. ومع هذه التضحيات الجسام فقد نجمت مواقف أخرى معيبة تظهر مثال حزبى الوفد والتجمع وغيرهما ممن استعادوا أمام أعيننا فلول النظام السابق إلى الحياة السياسية من جديد بعد تفكيك الوطنى، وذلك من خلال ترشيحهم عبر قوائمهم الانتخابية على الرغم من أن وجودهم يمثل تهديدا كبيرا لإلغاء هذه القوائم خاصة بعد أن صدرت أحكام من القضاء الإدارى فى بعض الدوائر توجب حظر ترشيح فلول الوطنى السابقين وقد ألغيت بالفعل قائمة لحزب الوفد بهذا الصدد فى محافظة قنا فى انتخابات الشورى. وأنه لمن العبث أن نرى توافقا مستورا يتم فيما بين أحزاب الائتلاف وبين الفلول حتى ولو كان ذلك مندرجًا تحت مسمى المصلحة العامة المزعومة، والتى تحضنا أحياننا على أن الضرورات تبيح المحظورات وتسمح لنا بذلك الانتقاض على القيم والمبادئ والمثل العليا التى زعمها الحزبان السالفان وغيرهما من الأحزاب عبر السنوات الفائتة، ألم يكن هذا قلبا للحقائق والتفافا على رأى المواطن والتلاعب بأفكاره وإرادته؟ فمن يدرينا إن كانت ستصدق نوايا هؤلاء الفلول المتحولين مع أحزاب المعارضة أم أنهم سينشقون عليها تحت قبة البرلمان بعد أن يكونوا قد حققوا أهدافهم وبلغوا مرامهم من هذه الانتخابات. لقد كانوا بالأمس أشد ولاء لمعبودهم المخلوع فصفقوا له طويلا وهتفوا باسمه لسنوات خلت وصالوا وجالوا فى أرجاء الوطن الرحيب بكل الامتيازات التى أسبغها عليهم إبّان فترة ولايته فى حين نضب معينها على أحزاب المعارضة التى كانت أشد لدا لهم فى ذلك الوقت، والذين يسعونهم بنفوسهم وقلوبهم وعقولهم وقوائمهم اليوم. ومهما يكن من ِشىء فإن هناك أمورا أخرى أشد تعقيدًا نحتاج إلى فهمها وإطالة النظر إليها والتدقيق فى معانيها هذه الأمور لاشك أنها أثارت فى نفوسنا الوجل والروع حين نتنكب المستقبل عن طريقها فإننا لم نر هناك ما يبشر بالخير وسط ضبابية الأجواء التى تنذر بالخطر المحدق بنا، والتى نخشى أن يتحول معها حلمنا وأمانينا المستقبلية إلى سراب، وذلك مع أول ظهور علنى لوثيقة المبادئ الدستورية، التى تعيدنا إلى حكم الفرعون والتى فاجأنا بها على حين غفلة منا معالى نائب رئيس الوزراء الدكتور على السلمى، حيث جاء ضمن بنودها ثلاثة بنود مخيبة لآمال الشعب وهى البند الخامس والتاسع والعاشر منها نظرًا لما تضمنته هذه البنود من منح سلطات مطلقة للمجلس الأعلى للقضاء، وكذا للقوات المسلحة تجعل منهما دولة فوق الدولة فى الوقت الذى نتوهم فيه أننا نجد ونسعى لإجراء انتخابات برلمانية شفافة ونزيهة والعمل من بعدها على تأسيس دولة مدنية قوامها العدل والمساواة بموجب سن قوانين وإعداد دستور يرعى مصلحة الجميع فى الوطن الواحد.