سلسلة من التفجيرات الدامية المتزامنة شهدتها الهند، راح ضحيتها ما يزيد عن 100 قتيل من بينهم 16 من قيادات وعناصر الشرطة الهندية، وأكثر من 300 جريح. التفجيرات استهدفت ثمانى مناطق أبرزها فندقا "تاج محل" و"اوبيروى تريدنت"، بالإضافة لمحطة القطارات الرئيسية ومستشفى ومطعم. التفجيرات الدامية ليست الأولى من نوعها، خاصة فى بلد مثل الهند يعيش على أرضها مختلف الديانات والطوائف، وتشهد بشكل دائم صدامات بين المسلمين وباقى الطوائف، ومنذ عام 2001 وحتى الآن والانفجارات لم تنقطع فى الهند. هجمات أمس، الأربعاء، كانت الأعنف فى تاريخ الهند، مما طرح العديد من التساؤلات حول الهدف من وراء تلك الهجمات؟ ومن المسئول عنها؟ وهل من المتوقع تكرارها خلال الفترة القادمة؟ وهل المكان والتوقيت الذى تمت فيه التفجيرات مقصود؟..تساؤلات نحاول الإجابة عليها فى تلك السطور.. محمد فايز فرحات - محلل سياسى متخصص فى شئون الهند وباكستان- يشير إلى أن مثل هذه الهجمات أصبحت طابعاً يميز الهند وترجع أسبابه إلى طبيعة النظام الحزبى صاحب التوجه القومى بالأساس، والذى يستخدم الطائفية والدين كإحدى آليات التعبئة لنفسه، والدليل ما حدث فى الهند عندما تولى حزب "بهاراتيا جاناتا" السلطة، بالإضافة إلى أجهزة الشرطة غير المحايدة فى الفصل فى النزاعات الطائفية، والتى أدت إلى نشأة الاحتقان بين المسلمين والطوائف المختلفة، كما أن هناك عوامل تتعلق بتوزيع الثروة والفقر فى الهند، حيث يتركز الفقر فى المناطق التى تواجد فيها المسلمون على عكس المناطق التى يعيش فيها القوميات الأخرى. أما عن درجة اختلاف هذه العملية عن العمليات السابقة التى شهدتها الهند، فيشير الدكتور فايز إلى أن العملية تختلف فى عدة أمور، أبرزها أنها ركزت على أهداف ذات تأثير اقتصادى قوى، حيث إن العمليات السابقة جميعها استهدفت عناصر ذات دلالة دينية، كالقضاء ورموز الديانة الهندوسية، أما فى هذه التفجيرات فتم التركيز على ضرب الاقتصاد الهندى كما حدث منذ فترة قريبة فى مدينة "بنجلور" التى تتركز فيها صناعة وتصدير تكنولوجيا المعلومات. جماعة "مجاهدى دوكان" التى تبنت الهجمات التى استهدفت مناطق متفرقة من الهند، هى جماعة محدودة معظم عناصرها من طلبة الجامعات فى الهند وأماكن تواجدها تكون بداخل هذه الجامعات، هذه هى المعلومات المتوافرة عنها حتى الآن نظرا لحداثة نشأتها بين الجماعات الإسلامية، ولكن جميع الشواهد تستبعد هذه الجماعة وتشير إلى أن التفجيرات تحمل بصمة تنظيم القاعدة، حيث يقال إن بعض عناصر جماعة "مجاهدى دوكان" على علاقة وثيقة بتنظيم القاعدة، بالإضافة إلى أن سلسلة التفجيرات التى حدثت أمس وتزامنها وطريقة تنفيذها، تحمل طابع العمليات التى يقوم بها تنظيم القاعدة فى أنحاء العالم، ولكن الدكتور محمد فايز أكد أن ملامح تفجيرات الهند بالفعل تشبه أسلوب القاعدة ولكن هذا لا يعنى تورط القاعدة فى العملية، وصغر حجم الجماعة التى قامت بتنفيذ العملية ليس له علاقة بحجم العملية نفسه، فهذه ليست المرة الأولى التى يستطيع تنظيم صغير تدبير وتخطيط مثل هذه العمليات والنجاح فى تنفيذها أيضا ، فحجم العملية يتوقف على كوادر الجماعة الإسلامية وقيادتها وليس على عددها، وفى النهاية لم تستطع أى جهة حتى الآن تحديد الجهة المسئولة عن التفجيرات ..سواء كانت تنظيمات إسلامية أم لا، ومكانها داخل الهند أم خارجه. ويؤكد الدكتور محمد فايز أن الانفجارات لن تنقطع فى الفترة القادمة بالهند بل ستحمل نفس الطابع والأسلوب، طالما أن مصادر الاحتقان الطائفى مازالت موجودة ومتوافرة ، مشيرا إلى أن التعاون الهندى الباكستانى فى ضبط الحدود والتعاون من أجل مكافحة الإرهاب لم يسفر عن شئ لأن البنية التحتية للإرهاب مازالت خصبة فى الهند. السفارة الهندية بالقاهرة رفضت التعليق على التفجيرات أو الإدلاء بأى معلومات جديدة حول الضحايا أو الجماعة المسئولة عنها ، مشيرة إلى البيان الذى أصدره رئيس الوزراء الهندى"منهومان سينج" والذى نفى فيه مسئولية الهند عن التفجيرات وأن المسئولين عنها مقرهم خارج البلاد، كما حذر الدول المجاورة للهند من دفع الثمن إذا لم تتخذ إجراءات لوقف هذه الجماعة المتورطة، ومؤكدا أن الهجمات تمت بمساعدة من الخارج وتهدف لبث الذعر عن طريق أهداف متميزة وقتل الأجانب بشكل عشوائى . الغريب أن الدكتور محمد فايز أكد احتمالية تورط بعض العناصر العسكرية الهندية فى هذه التفجيرات، أى أن تصريح رئيس الوزراء لم يكن صحيحا وأن الجماعة المسئولة من داخل الهند وليس من خارجها، وبرهن الدكتور فايز على هذا الاحتمال بأن هذه العناصر العسكرية والمخابراتية ترى أن هناك خطورة فى التعاون والتطبيع بين الهند وباكستان، فعلى مدار التاريخ كانت العناصر العسكرية تعتمد على التنظيمات الدينية فى تنفيذ سياستها منذ السبعينيات فى فترات تولى ضياء الحق وحتى برويز مشرف، والآن جاء الاعتماد على عناصر عسكرية لتنفيذ مثل هذه التفجيرات.