التوك توك، علبة كشرى، القبلية، الغباء. تلك يا حضرات بإيجاز الأدوات الأربعة المستخدمة الآن لتخريب مصر، بواسطة خفافيش الظلام الذين يحزنهم ويؤلمهم وقوفها على قدميها واسترداد قوتها وعافيتها ومكانتها اللائقة المستحقة، ويرغبون فى إغراقها فى بحور من الدماء والفوضى، لإعاقة مسيرتها صوب التقدم والرقى والتحضر. أرى أن علامات التعجب تكسو قسمات وجوه الكثيرين، ولإزالة علامات الاستفهام الحائلة دون بيان المقصود، فإننى أحيلك إلى تفاصيل القنابل المنفجرة على التوالى فى سوهاج وقنا والأقصر والمنيا ودمياط والإسكندرية، الأسبوع المنصرم، وحولتها لكتلة من اللهب المتطاير، الذى لا يدرى أحد أين سوف تتساقط شظاياها، لإشعال حرائق فى الصعيد على وجه الخصوص. فقد ضخم شياطين الإنس الحادث العارض البسيط بسوهاج، عندما اصطدم توك توك يقوده حدث بسيارة، وكان من الممكن مرور الواقعة فى حينها، لكن الحافز العنصرى كان له قول آخر، فعائلتا الطرفين ارتكنتا على انتمائهما القبلى، فنبرة الهوارة علت، والعرب ردوا بإيقاظ أتباعهم، ولابد أن يكون القول الفصل والغلبة للقبيلة، فلا يمكن التفريط فى شرفها وسطوتها، حتى لو كان الثمن سقوط عشرات القتلى والمصابين وشق قنوات للحقد والكراهية تكفى لتأجيج المشاعر لسنوات مقبلة، ويترقب كل طرف الفرصة لرد الصاع صاعين. وللأسف فقد غلبت القبلية على الارتباط العضوى بالوطن، وعميت الأبصار لدرجة منع فيها طرف دفن قتلى الجبهة الأخرى لعدة أيام، وللتدليل لدينا كذلك ما وقع بين الأشراف والعرب فى مركزى دشنا وقنا، حيث تم احتجاز رهائن من الأشراف، بسبب خلافات بين الجانبين، فى أعقاب اختفاء أشخاص من السمطا. المنطق القبلى تقدم الصفوف وسيطر على العقول، فغابت الحكمة والمصالحة الوطنية، ولن أقبل بفكرة العادات والتقاليد السائدة فى الصعيد، فمع تقديرى واحترامى، فإنها تمددت وباتت نوعا من العنصرية العمياء، وهو ما يجعلها قابلة للاستثارة والاشتعال بأقل مجهود. وفى الإسكندرية كاد شجار بين مسلم ومسيحى على أسبقية شراء علبة كشرى أن يتحول لفتنة طائفية، لولا العناية الإلهية، فهل تدنى حالنا لمستوى النفخ فى نيران حرب بين عنصرى الأمة المصرية لأجل علبة كشرى لا تقدم ولا تؤخر، إن هذا يشير لخلل سلوكى رهيب علينا دراسته وتداركه خلال أيامنا الآتية، لأننا نعانى حاليا من نقص بشع فى عدد العقلاء القادرين على الاحتواء وتصدير الانتماء الوطنى على ما عداه. أما الغباء، فإنه من نصيب مخلفات الحزب الوطنى المنحل، الذين لم يفهموا بعد أن المرحلة الحالية تتطلب نبذهم وإبعادهم عن الساحة بعدما خربوها لثلاثين عاما متصلة، وأنهم لو كانوا يعقلون لأدركوا حتمية ابتعادهم، وان يتصارحوا مع أنفسهم بأنهم كانوا من بين عوامل خراب هذا البلد وعليهم الخضوع لمحاكمة "محاسبة الذات" عن جرائهم فى حق الوطن، بعد حين سيكون باستطاعتهم المشاركة، حينما يستقر شكل النظام السياسى ويتخلص من فيروسات وأمراض الحزب الوطنى. ومما يؤسف له أنهم لا يريدون الفهم والاستيعاب، ولذا يمارسون باستمتاع لعبة إشعال الحرائق فى أنحاء متفرقة من البلاد، وخرجوا بلا حياء من شقوقهم، ليصرحوا بأن استبعادهم سيجعلنا نعض أصابع الندم. بل أن المهندس معتز محمد وكيل مؤسس حزب الحرية، هددنا بصورة غير مباشرة بان حرمانهم من العمل السياسى سيمثل خطرا فى ظل ترويج اقتراحات بشأن انفصال الصعيد عن الوطن الأم وتشكيل برلمان مواز ذكرونى بمقولة المخلوع مبارك خليهم يتسلوا. الكلام خطير، وكان لابد من اتخاذ موقف حازم منذ عقد مؤتمر عناصر الوطنى قبل أسابيع وتهديدهم خلاله باحتلال الصعيد وأن القبائل تقف فى صفهم، ومحاسبتهم على ما بدر منهم، لكن هذا لم يحدث، فتمادوا فى غيهم ونشاطهم المناهض للثورة، فهم على استعداد لتخريب البلاد، لكى لا يغيبوا عن الصورة. وعبر هذه المساحة اعتب على المجلس العسكرى الذى لم يتصد بحزم لبقايا الحزب المنحل، ولم يبسط سيادة الدولة على الصعيد وغيره من المناطق، وعليه أن يحذر من الآتى فى علم الغيب.