قاتل الله شهوة حب الظهور وهوس التواجد -عمال على بطال- فى أجندة تليفونات محررى الصحف ومعدى البرامج فى الفضائيات! فعندما أصدرت المحكمة مؤخراً حكمها التاريخى بسجن أول متهم فى الدعوى القضائية الشهيرة التى رفعتها فتاة مصر الجديدة، نهى رشدى بخصوص واقعة التحرش الجنسى الذى تعرضت له، قامت الدنيا ولم تقعد بعد! كان الحدث استثنائياً إلى أقصى حد! فتاة رقيقة يعبث بجسدها سائق سيارة نقل،، ويفر هارباً وهو يضحك بشكل حيوانى، فتطارده -فى مشهد لن تراه فى فيلم أكشن أمريكى- وتقفز فوق السيارة وهو يقف فى إشارة مرور، وتشتبك معه بمفردها لمدة ساعتين، وسط المارة فى الشوارع والميادين، الذين اكتفوا بمصمصة الشفاة والاستمتاع الخفى بأحداث الفيلم! تنجح الفتاة «فى جرجرته» إلى قسم الشرطة، ثم إلى المحكمة، وترفع -لأول مرة فى تاريخ القضاء المصرى- دعوى صريحة تختص بالتحرش الجنسى! وكان من حق المجتمع المدنى أن يزهو بالبطلة نهى، التى تحولت إلى رمز للإيجابية، ورفضت أن تنضم إلى طابور ضحايا التحرش اللواتى يلتزمن الصمت خوفاً من التشهير أو الفضيحة، لأن الجتمع مازال يلتزم سياسة «إلقاء اللوم على الضحية»، والنتيجة أن طابور الضحايا فى تزايد حتى بلغ 90 % من نسائنا وفتياتنا اللواتى يتعرضن كل يوم فى الشارع والمواصلات ومكاتب العمل لأحد أشكال التحرش، كما تؤكد هبة عبدالعزيز فى كتابها المهم «التحرش الجنسى بالمرأة». وكان طبيعياً أن تهتم وسائل الإعلام العالمية وتزاحم الإعلام المصرى والعربى فى الاحتفاء بما حدث، وتدخل نيويورك تايمز ورويترز و BBC وCNN على الخط.. الشىء الوحيد الذى لم يكن طبيعياً، هو أنه على الشاطئ الآخر، كانت المحامية المغمورة «ن أ» صباح اليوم التالى لصدور الحكم توقظ «معارفها» من الصحفيين ومعدى البرامج، وتقول لهم: لماذا لم تهنئونى بالحكم التاريخى الذى صدر؟ ألا تعرفون أننى محامية نهى رشدى؟ من الآن فصاعداً لا تستضيفوها أو تتحدثوا معها إلا فى وجودى لأننى صانعة هذا الإنجاز غير المسبوق!». وعلى طريقة «فيها لا أخفيها» حاربت المحامية بكل السبل، لكى تصبح جزءاً لا يتجزأ من «الشو» الإعلامى، ومارست فى سبيل ذلك كل الوسائل، المشروع منها وغير المشروع، وحين فشلت لجأت إلى «الكارت الأخير» وهو هدم المعبد على رأس نهى، وكل من فرح لها وبها، أخرجت السلاح الفعال الذى لا يقاوم: كلمة إسرائيل! نعم! ستنسى كل مواثيق الشرف المهنية والأخلاقية وستؤكد أن «نهى» تحمل جواز سفر إسرائيليا، وأنها سمعت بأذنها «التى سيأكلها الدود» نهى وهى تشيد بتحضر دولة إسرائيل! ولنعد قليلاً إلى البدايات الأولى.. قبل صدور حكم المحكمة، كان برنامج «90 دقيقة» يناقش الموضوع، وجمعت الحلقة نهى بسيدة فى الأربعين، سمراء، ممتلئة قليلاً، تحرص على الاستئثار بالميكرفون أطول وقت ممكن، ولا تتورع عن التأكيد على أن الرئيس مبارك -شخصياً- يحدثها على الهاتف بعد كل حلقة تظهر فيها ويناقشها فيما أدلت به من آراء! اقتربت السيدة من «نهى» بعد نهاية الحلقة، وطلبت منها أن تعمل لها توكيلاً لتتولى الدفاع عنها رسمياً فى ساحة القضاء! كانت «ن أ» تعرف بحسها الإعلامى أن «نهى» ستصبح هدفاً استراتيجياً للصحف والفضائيات، ورغم أن «نهى» لم تمانع فى البداية، إلا أنها فى اللحظة الأخيرة امتنعت عن عمل التوكيل، فقد شعرت أنها أمام محامية تبحث عن الظهور، ولن تضيف شيئاً لجهود «زياد العلمى» المحامى الموكل رسمياً بالدفاع عن نهى، ولم يعد أمام «ن أ» سوى المشاركة من باب التطوع ليس إلا! وحين صدر الحكم، وانفجر الحدث إعلامياً، فوجئت نهى بالسيدة المحامية تتصل بها صباحاً وظهراً ومساء وتقول لها أعرف أنك ستظهرين فى برنامج كذا على قناة كذا، ولابد أن أظهر معك! قولى للمعد أننى المحامية الخاصة بك، ولن تظهرى بدونى!. كانت تقول هذا بلهجة آمرة، مشوبة بالثقة الهائلة، وهو ما استفز نهى التى حافظت على تماسك أعصابها، والغريب أن المحامية لم تيأس، فعادت لتطلب أن تعد نهى عنها فيلماً تسجيلياً باعتبارها مناضلة فى الحركة النسائية وصاحبة جمعية «وهمية» لمناهضة العنف ضد المرأة، فمادامت «نهى» لن تكون جسراً تعبر عليه إلى الأضواء، فعلى الأقل تستغل موهبتها كمخرجة أفلام تسجيلية، وتعد هذا الفيلم نوعاً من رد الجميل! وبالطبع رفضت «نهى»، لتفاجأ ذات صباح بعدد من الصحف والمواقع الإلكترونية، تنشر تصريحاً للمحامية تقول فيها إنها اكتشفت أن نهى تحمل جواز سفر إسرائيليا، وأنها تشيد بدولة إسرائيل، وبالتالى فإن المحامية ستنسحب من الدفاع عن نهى وستنضم إلى المتهم لتدافع عنه فى مرحلة الاستئناف! راهنت «ن أ» على البلبلة والتشويش والصدمة، التى تأمل أن يحدثها مثل هذا الكلام، وكانت تهدف إلى التغطية على حقيقة أن «نهى» مولودة لأب فلسطينى وأم مصرية، وحسب قرار جامعة الدول العربية لن تمنح جنسية بديلة، حتى لا تذوب الهوية الفلسطينية فى أمواج الشعوب العربية الأخرى، ويضيع حق العودة، وأن نهى تقيم فى مصر وفق تصريح إقامة يتجدد كل 6 أشهر، وأنها خريجة كلية حقوق القاهرة كما أن الحكم جنائى وبالتالى فليس هناك استئناف له وإنما نقض، وهذه معلومة يعرفها طالب سنة أولى حقوق ولا يجوز للمحامية أن تنتقل من خانة الدفاع -الذى لا تحمل توكيلاً رسمياً به- عن المدعية إلى خانة الدفاع عن الخصم، وذلك حسب قوانين وبديهيات القضاء!