رغم إعجابى بالطريقة الجديدة التى يتبعها الحزب الحاكم، خصوصا موضوع المؤتمرات والحوارات "اللى على كبير"، والتى تنم عن عقلية تنظيمية على الأقل مختلفة عن عقلية (إدارة الدولة من خلال قعدة المصاطب إياها)، إلا أننى أنظر دائما إلى القضية من خلال فهمى لنكتة مصرية معبرة ربما يكون فى سردها فائدة رغم أنها مكررة.. فحين قررت الدولة إعادة النظر فى نظام الجمعيات الاستهلاكية بهدف رفع الدعم تدريجيا، قامت بتطوير بعض الجمعيات لتصبح أشبه بالسوبر ماركت، وقررت فى ظل ثورة شاملة للتغيير أن تطور الكوادر البشرية وتدربها حتى تستقبل المواطن المطحون أحسن استقبال، وبالفعل ذهب مواطن إلى جمعية فلم يجد لا طوابير ولا يحزنون... واستقبله موظف على باب الجمعية مبتسما مرحبا: أهلا يا مواطن مرحبا بك فى الجمعية التعاونية الاستهلاكية فرع شبرا الخيمة. التفت المواطن حوله ظنا منه أن الرجل يخاطب أحدا غيره، لكن الموظف أشار إليه بابتسامة: أيوه مرحبا بك أنت عزيزى المواطن؟ تؤمرنى؟ طلباتك إيه؟ رد المواطن شبه المذهول: عايز فرخة؟ رد الموظف بسرعة: مذبوحة ولا صاحية؟ رد الموظف بطريقة أسرع: مذبوحة يا باشا ح اعمل بالصاحية إيه أنا راجل عازب و... قاطعه الموظف: آه الفراخ المذبوحة فى الدور اللى فوق. انطلق المواطن مهرولا إلى أعلى استقبله موظف آخر باليونيفورم والابتسامة: أهلا يا مواطن هنا قسم الفراخ المذبوحة عايزها كاملة ولا متقطعة! ابتسم المواطن ورد وهو مذهول: عايزها متقطعة ما نتو عارفين أننى عازب وقاعد لوحدى و... قاطعه الموظف: تمام تمام إحنا عارفين طلباتك، بس الفراخ المتقطعة فى الدور اللى فوق. هرول المسكين حتى كاد يفقد وعيه وصل إلى الدور الأعلى استقبله موظف مستنسخ من الموظف الذى سبقه وبادره قائلا: أهلا وسهلا يا مواطن أنت عايز فرخة مذبوحة متقطعة صح؟ قل لى عايزها بالأجنحة ولا من غير أجنحة وقوانص؟ رد المواطن منفعلا: ازاى بقى هى الفرخة تبقى فرخة من غير قوانص وأجنحة أدينى فرخة مذبوحة ومتقطعة بالأجنحة بالقوانص والكبدة. نظر إليه الموظف وقد بدت علامات الأسف على وجهه وقال له: يا أستاذ طلبك فى الدور اللى فوق. كاد الموظف أن ينفجر، لكنه قال الحمد لله دا آخر دور والفراخ أكيد موجودة. استقبله على سلم الدور الأخير موظف من نفس الطينة مرحبا وقائلا أنت عايز فراخ مذبوحة متقطعة بالكبد والقوانص، صح وقبل أن يؤكد كلامه المواطن المسكين فاجأه الموظف المحترف بقوله: للأسف الفراخ المذبوحة المتقطعة اللى معاها كبد وقوانص خلصت بس قل لى إيه رأيك فى النظام؟ المهم النظام يكون تمام. المهم الصورة تطلع حلوة. أوراق العمل ممتازة وأبصم بالعشرة لن نجد أحسن منها. الخبراء والوزراء عشرة على عشرة ولا أحد يشكك فى قدراتهم العلمية ولا خبراتهم العملية، فبعضهم له تاريخ فى القطاع الخاص مشرف، القضية لا تكن أبدا فى الشكل ولا فى روعة التنظيم، القضية فى الطريقة التى يتم إخراج الأشياء بها. المشكلة ليست فى التنظيم بل فى المضمون، خذ على سبيل المثال موضوع الفساد الذى فاحت رائحته وضربت بقوة كل أركان الحزب، لماذا لم تخصص له حلقة نقاشية فى المؤتمر، رغم أن المتهمون بالفساد ليسوا رؤساء وحدات فرعية، بل أعضاء لجان رئيسية وعلى رأسها لجنة السياسات؟ هل ناقش الحزب قضايا تمس المواطن مثل الإهانة والتحرش وفقدان الإحساس بالأمن حتى داخل أقسام الشرطة وهى الملاذ الآمن للمواطن؟ الإجابة لا. كم مرة التقى الرئيس مبارك بقادة الأحزاب والتيارات المعارضة؟ وفى أى مناسبة؟ هل التقى الرئيس مبارك المعارضة للحديث مثلا عن مستقبل مصر فى ظل المتغيرات الدولية؟ لا لم يحدث لأن مستقبل مصر يحدده الرئيس وحده. هل دعا الرئيس المعارضة للتشاور – مثلا - فى موضوع تغيير الدستور وتعديل قانون المحليات؟ لا لم يفعل؟ لأنه لا أحد فى الحزب الديمقراطى يؤمن بأن المعارضة شريك فى الوطن، فكيف يدعوها لتكون شريكا فى الحكم، هل دعا الحزب الحاكم خبراء الأحزاب الأخرى ليدلوا بدلوهم فى الأزمة المالية التى حتما ستعصف ببعض المكاسب التى تحققت؟ لا لم يفعل! ولن يفعل. أين رموز المعارضة المصرية فى مؤتمر الحزب؟ يمكنك رؤيتهم بالميكروسكوب المجهرى أو فى الفيلم التسجيلى الذى عرضه الحزب. هل يسمح النظام لأى حزب أو جمعية أو جماعة أو حتى المعارضة المستقلة أو الإخوانية أن يقيم مؤتمرا كهذا على شرط أن يخصص التلفزيون المصرى نهاره وليله لبث المؤتمر وفعالياته، وتخصص الصحف القومية الخاسرة مساحات تقدر بالملايين للتغطية؟ الإجابة لا، ولا يمكن للمعارضة أن تقيم مؤتمرا فى بيت أحد قادتها لأن ذلك مخالف لقانون التجمهر!!! لماذا يدعى الأجانب ولا يدعى المصريون؟ ربما لأن الحزب خواجة رغم أنه يحكم شعبا يتكلم مصرى. هل صحيح أن الحزب يؤمن بالتعددية؟ فلماذا يضيق عز وعزمى وهلال وجمال بالمعارضة ويطالبونها بتقديم البدائل، وهم جميعا يعلمون أن المعارضة مكبلة الأيدى؟ المشكلة الرئيسية التى تواجه الحزب ليس مستقبل مصر ولا نهضة مصر المشكلة هى القبول... لا يوجد قبول... يا أخى افهم. الزواج مش بالعافية ولو قام الحزب بعشرات العمليات لشد الوجه والخصر والأرداف فلن يعيره أحد اهتماما. فالحزب هو نفسه الحزب الذى يحكم والوجوه هى ذاتها الوجوه؟ فلماذا يجب أن نعتقد بأن هناك تغييرا؟ التغيير هو فقط فى إعادة ترتيب الحزب مع نفسه، بين رجالاته، بين أجنحته، أما الشعب والمعارضة فهى بعيدة عن هذا الترتيب لأنها معزولة ومحاصرة، لأنها معارضة مش وطنية وصحافتها عميلة كما يراها السادة فى الحزب الحاكم، هل يمكن أن يكون الحزب الوطنى وطنيا وهو وعبر كبار قادته ينعتون معارضيهم باللا فهم واللا وعى واللا انتماء؟ الحزب فى مؤتمراته لا يخاطبنا نحن بل يخاطب المراسلين الأجانب. كل العبارات والهتافات يتم اختيارها بعناية حتى الابتسامة الصفراء على وجوه المتحدثين، تم اختيارها واختبارها مرات قبل الطلوع على الهواء. لا فراخ فى الجمعية أقصد لا جديد فى الحزب. ولكن إيه رأيك فى النظام. و عجبى.