يحتاج الطغاة العرب العديد من الدراسات، بعضها يتعلق بقدراتهم العقلية والنفسية والأخلاقية، فضلاً عن الجوانب الوطنية لديهم. رأى هؤلاء الطغاة واحدا منهم يهرب فى حفرة عام 2003، ثم يقبض عليه ويحاكم بصورة مهينة، وكان المتوقع أن يستوعب بقية الطغاة الدرس وهو أن الاستبداد والديكتاتورية يمكن أن يقودا الشعوب إلى الانفجار، وأن الشعوب فى سبيل الخلاص من الطغيان لن تتردد فى قبول المساعدة من الأجنبى، حتى لو لم يكن ذلك الأجنبى محببا لديهم، ولأن الطغاة العرب يحتقرون شعوبهم فإنهم آثروا أن ينحنوا أمام الأجنبى بوهم أن ذلك الأجنبى لن يساند شعوبهم إذا هبت ضدهم، بل سوف يقف إلى جوارهم هم، وهكذا وجدنا على عبدالله صالح وبشار الأسد أكثر انخراطا فى السياسة الأمريكية للقضاء على الإرهاب، وذهب حسنى مبارك إلى حد بعيد لاسترضاء أمريكا، فترك هامشا للحرية وللمجتمع المدنى على كره منه، ولكنه تصور أن ذلك سوف يسعد أمريكا ويجعلها تكف عن انتقاد تسلطه، وارتمى على زين العابدين تماما فى أحضان الغرب، أما معمر القذافى فقد أتى بالم يأت به أحد قبله ولا بعده، إذ أقدم على تسليم الأسرار النووية لبلاده وكل المواد والأجهزة التى لديه إلى المخابرات المركزية الأمريكية، فعل ذلك دون أن يخبر أى جهة فى بلاده ودون أن يطلع شعبه على شىء، وطبقاً لأى قانون فإن ما فعله القذافى يدخل فى باب «الخيانة العظمى» لبلاده وشعبه، ليس معنى هذا أننى أدافع عن امتلاكه سلاحا نوويا، بل إنه لم يكن يحتاج جيشاً ضخماً، ليبيا بلد بلا أعداء، هى محاطة بدول عربية شقيقة ودول إفريقية لا تضمر لها شرا، وتاريخيا لم يكن هناك عداء بين ليبيا وجيرانها، فعل القذافى ذلك متصورا أنه يبدأ صفحة جديدة مع الغرب، ودفع تعويضات ضخمة لضحايا لوكيربى وغيرها.. وسعد الغرب بذلك، وفتح أحضانه للقذافى، ثم وجدنا القذافى الذى كان يرى نفسه ابن القومية العربية يتخلى عن هذا الموقع ويكفر بالقومية العربية متجهاً إلى الإفريقية، ولم يكن ذلك إلا رسالة موجهة للغرب وتحديداً للولايات المتحدة أثناء الحرب على العراق مفادها أنه ينسحب تماماً من هذه القضية، التى استفزت الشارع العربى وقتها. هذه التنازلات الضخمة التى أقدم عليها القذافى ورفاقه من الطغاة العرب تثير العديد من التساؤلات.. هم لم يحاولوا أن يقدموا ولو تنازلا بسيطا لشعوبهم - رغم أن ذلك حق الشعوب وواجب الحاكم تجاه شعبه، القذافى وصف أبناء شعبه الذين ثاروا عليه بأنهم «جرذان» وحسنى مبارك حين بدأت المعارضة له تشتد بعد الانتخابات البرلمانية قال بغطرسته المعهودة «خليهم يتسلوا»، وهكذا كان بقية الطغاة.. تصور الطغاة أن شرعية وجودهم فى الحكم واستمرارهم فيه مرهونان باسترضاء الغرب عموما وأمريكا تحديداً، حتى لو وصل الأمر إلى تلقى تعليمات مباشرة منها، فتح على عبدالله صالح أجواء بلاده للطائرات الأمريكية تشن غارات بها وكذب على الشعب اليمنى مدعيا أنها طائرات يمنية.. نسى هؤلاء جميعاً أن ولاءهم وانحيازهم يجب أن يكون لشعوبهم. عرف التاريخ العربى الكثيرين من الطغاة، ولا يمكن لباحث منصف أن يدعى أن معاوية أن أيا من أبى سفيان وهارون الرشيد وصلاح الدين الأيوبى، فضلاً عن عبدالملك بن مروان أو الظاهر بيبرس- كان ديمقراطيا، ولكن قام كل منهم بدور وطنى مهم لأمته، وأضاف إلى تاريخها صفحات تعتز بها وتفخر، وجعلوا بلادهم موضع احترام وتقدير ومهابة فى زمانهم، بينهم من أسس دولة ومن حمى البلاد من الغزو الأجنبى وطرد محتلاً، ومنهم من أقام نهضة حقيقية على جميع المستويات، حتى محمد على الذى كان غاية فى الاستبداد وأطاح بالزعامات الشعبية فى انتهازية سياسية فجة، تفتقد الحدود الدنيا من الأخلاق، أسس دولة كبرى مازالت بعض مؤسساتها قائمة إلى اليوم كالجيش المصرى، لكن الطغاة المعاصرين، لم يقدموا لشعوبهم وأمتهم سوى الخنوع والضعف والهوان، وجعلوا بلادهم موضع سخرية العالم وتهكم قادته. هل هناك من يذكر إيجابية واحدة لمعمر القذافى بعد 42 عاما قضاها فى حكم ليبيا؟ وهل بيننا من يشك فى أن مصر لو قدر لها حكم رشيد فى العقدين الأخيرين لكانت اليوم فى قوة تركيا وماليزيا وإندونيسيا، فضلاً عن البرازيل والبرتغال؟ وهل تستحق سوريا بتاريخها العريق أن يحكمها ذلك السفاح الذى يزداد تعطشا للدم يوما بعد يوم؟ وهل هناك أشد بلادة من على عبدالله صالح الذى دخل نار جهنم حيا واحترق جسمه وجلده ومع ذلك لا يريد أن يرحل ويغادر شعبه؟. هؤلاء الطغاة يستحقون الدراسة والتأمل، ولكن دعونا نستمتع بسقوطهم واحدا تلو الآخر، ونتأمل سقوط كل منهم، فهل لا يتعلمون ولا يدركون، لذا يتساقطون تباعاً، لا أحد منهم فى منجاة من السقوط.. والمجد للشعب وللثورة والسقوط للطاغية، أياً كان اسمه وموقعه.