قال الدكتور ماهر عطية شعبان، مدير مركز المعلومات والاستشارات بمعهد الدراسات والبحوث الإفريقية بجامعة القاهرة، إن النيل يمثل لمصر أهمية كبرى مقارنة بدول الحوض الأخرى، مستعرضا الاتفاقيات التاريخية التى وقعتها القاهرة بشأن حوض النيل، وتاريخ وحدة مصر مع السودان باعتبارها الأرضية الحقيقة للمستقبل، على حد تعبيره. وأكد عطية، خلال الجلسة الرابعة من مؤتمر "ثورة 25 يناير ومستقبل العلاقات بدول حوض النيل" الذى ينظمه معهد البحوث والدراسات الأفريقية، أن اتفاقية 1959 كانت البداية الحقيقية لمشروع السد العالى فى مصر، وأعقبه إنشاء خزان فى السودان وذلك فى عهد الفريق إبراهيم عبود. ووصف شعبان، الذى تحدث عن أزمات مياه النيل المصرية السودانية والآثار المترتبة عليها 1929– 1959، العلاقات بين مصر والسودان ب"التاريخية"، مضيفا: "السودان امتداد طبيعى بالنسبة لمصر والشعبين السودانى والمصرى هما شعب واحد"، مشيدا بعدم توقيع السودان على اتفاقية عنتيبى. من جانبه أشار الدكتور أحمد عبد الدايم، الأستاذ فى قسم التاريخ بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية، خلال الجلسة التى أدارها الدكتور حسين مراد، وكيل المعهد، إلى أن الابتزازات التى تتعرض لها مصر الآن، فى مسألة مياة النيل واضطرارها للدبلوماسية الشعبية أخيرا تفرض علينا أن نستقرئ تجربة حقيقية لأزهرى بوغندى الذى أرسل عشرات الرسائل والمكاتبات للسلطات المصرية بمختلف أنواعها يسجل فيها رغبته ورغبة الشعب الأوغندى ورغبة التنظيم السياسى المنتمى إليه فى ضم بلده لمملكة وادى النيل تحت عرش المملكة المصرية. وأكد الدكتور عبد الدايم أن دراسة تجربة إدريس بن عامر البوغندى فى مصر 1949 – 1952، فى هذه اللحظة، تعد قرينه تاريخية مهمة على نجاح المجهودات الفردية فى خدمة القضايا السياسية المعقدة. وقال الدكتور أيمن شبانة إن ثورة 25 يناير كانت ملهمة لحركات المعارضة فى كل من أوغندا وإثيوبيا، وتخوفت النظم الرسمية وصحفها من الثورة، فالرئيس الأوغندى يورى موسيفينى اقتبس تصريح وزير الخارجية السابق أحمد أبو الغيط، بقوله إن "أوغندا ليست مصر وما حدث هناك لن يتكرر هنا"، وطبعا فى السودان كان النداء مختلفا فالشعب أراد إسقاط النظام والمعارضة أيضا وفقا لبعض الآراء السودانية. ولفت شبانة، الذى تحدث عن "موقف دول حوض النيل من ثورة 25 يناير"، إلى أنه تم استقبال الدكتور عصام شرف، رئيس حكومة تسيير الأعمال، فى السودان بلافتات مكتوب عليها إن مصر شقيقة السودان، ومصر والسودان معا حتى القدس وضد الإرهاب، موضحا أن ذلك يعبر عن تطلع السودان لدور ريادى لمصر. وشدد على ضرورة وجود خطاب واضح وجديد لأفريقيا، وتدعيم العلاقات الشعبية مع دول حوض النيل وتصحيح الصورة الإعلامية المغلوطة عنهم لأن العلاقات بين الشعوب أدوم، على حد قوله. وتابع "لابد أن تتخذ مصر خطوات استباقية ولا تنتظر حتى تحدث المشكلة، وأولى هذه الخطوات يجب أن تتمثل فى مشروعات مع شمال وجنوب السودان، بدلا من إسرائيل التى تطمع فى مياه النيل ." بينما قال الدكتور خالد حنفى على الباحث فى العلوم السياسية، إن ليبيا تعانى من معضلة إستراتيجية جيوبولتيكية تتمثل فى أنها تملك مساحة شاسعة وسكانا قليلين وموارد نفطية هائلة ومائية شحيحة، ومستوى نصيب الفرد فيها من المياه يبلغ أقل من 1000 متر مكعب. وأضاف حنفى، الذى تحدث عن علاقة ليبيا بدول حوض النيل، "حاولت طرابلس تحديد مجموعة من الخطوات لحل هذه الأزمة المائية وهى نقل السكان من الجنوب، الذى يتمركز فيه المياه، إلى الشمال وبالفعل بدأت فى مشروع النقل الصناعى للمياه من الجنوب، ولكنه لم يغط كافة المشكلات". واستطرد حنفى "فكرت ليبيا فى شراء المياه من الخارج وخاصة من تركيا على الرغم من وجود مشروع نهر مائى صغير، فيما تريد تركيا تحويل المياه إلى سلعة، ولكن جميع هذه الحلول لم تنجح فى حل مشاكل ليبيا المائية ومن هنا فكرت فى استغلال نهر النيل، مسترشدا بحديث محَمّد حسنين هيكل "حينما كان القذافى ذات مرة واقفاً ينظر إلى النيل فقال: لو أنّ لدينا فى ليبيا مثل هذا النيل لاختلفت أوضاعنا. فردّ السَّادَات عليه ساخراً، قائلاً: أعطنى بترول ليبيا وأنا أحَول إليك فرعاً من نهر النيل. ثمّ قال له غاضباً: أنت تحسدنا على مياه النيل" . وأكد على أن أول مشروع طرحته ليبيا لنقل مياه النيل تمثل فى ربط نهر الكونغو بنهر فى النيجر ثم مده للأراضى الليبية، قائلا إن ليبيا طرحت هذا المشروع فى سياق التكامل الأفريقى باعتباره مشروعا يساعد فى حل أزمة الغذاء وسط أفريقيا وأيضا فى محاولة منه لمغازلة الغرب بأن هذا المشروع سيمنع الهجرة إليها ولكن دول الحوض رفضت. وحول ما يتعلق بالسلوك السياسى الليبى تجاه دول حوض النيل أوضح على أنه أثناء الحرب الباردة تدهورت علاقة ليبيا بمصر وفى السبعينيات حرضت إثيوبيا لتكون شوكة فى ظهرها ثم ساعدت ثوار إريتريا ثم عاونت الحركة الشعبية فى عهد النميرى، وبالتالى أوجدت حالة من الريبة والشك بين دول حوض النيل تجاه مصر والسودان. وأشار الباحث فى العلوم السياسية إلى بعض التقارير التى تحدثت عن أن ليبيا عرضت على مصر شراء مياه النيل ولكن مصر رفضت، مضيفا "بعد 17 فبراير فإن لم يحسم الناتو الحرب فى ليبيا سيحدث انشطار بين طرابلس وبنغازى، مما يكون له تداعيات وخيمة على الجوار الأفريقى، وذلك فى حالة إذا ما اختفى القذافى سواء بالقتل أو التنحى استجابة لمطالب الشعب.