شكل نجاح الثورة المصرية ورحيل مبارك صدمة لإسرائيل، وبدأت عملية مراجعة شاملة للقدارت الذاتية الاستخباراتية والعسكرية على خلفية عدم قدرة الأجهزة الإسرائيلية على توقع الثورة من ناحية، وعدم وضوح الرؤية بشأن طبيعة النظام المصرى الجديد، وبدأت عملية المراجعة باتهام الحكومة الإسرائيلية بعدم حسن إدارة الأزمة، فقد اتخذت الحكومة الإسرائيلية مواقف عدائية من الثورة ضد نظام مبارك، فى حين أن العلاقات بين النظام المصرى ودولة إسرائيل لم تكن هى المحرك الرئيس فى الثورة، بل كانت بسبب تتطلع المصريين إلى المستقبل بشكل أفضل عن ما حدث خلال ثلاثين عاماً من حكم مبارك. وتصاعدت المطالبة لرئيس الحكومة نتنياهو بالتوقف تماما عن الكلام عن الخوف من قيام حكم إسلامى فى مصر، والانتظار لحين ما تسفر عنه الأحداث، وهى الصيغة التى اعتمدها نتنياهو فى تدعيم نظام مبارك، والوقوف ضد الثورة، ولكن جدعون ليفى وهو الصحفى الإسرائيلى المعروف كتب فى صحيفة هآرتس الإسرائيلية فى 13 فبراير 2011 بعنوان (مبروك لمصر) يطالب فيه الحكومة الإسرائيلية بالتوقف تماماً عن (معادة ثوار التحرير). وكان اندلاع الثورة فى مصر قد آثار جدلاً حاداً فى إسرائيل، انصب حول فشل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية فى توقع الثورة، ولا سيما وأن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (آمان) أفيف كوخافى كان قد أكد قبل أسبوع من الثورة المصرية أن النظام فى مصر مستقر ولا يوجد خطر يتهدده، ومن هنا تعرضت الاستخبارات الإسرائيلية لحملة إعلامية وسياسية شديدة تتهمها بالتقصير، لقد كان الفشل ذريعاً لدرجة أن طلب عدد من أعضاء لجنة الخارجية والأمن بالتحقيق فى الفشل الجديد للأجهزة الاستخبارية فى وقت لا تحتمل إسرائيل نتائج مثل هذا الفشل الذى اقترب حسب جريدة معاريف الإسرائيلية من فشل توقع حرب 6 أكتوبر. ونتيجة لتداعيات الثورة المصرية فقد بدأت إسرائيل فى طرح استراتيجية جديدة للتعامل مع الواقع الجديد الذى فرضته الثورة المصرية، وكتب ألوف بن فى صحيفة هآرتس الإسرائيلية "إن سقوط النظام المصرى يبقى إسرائيل بدون أى حليف استراتيجى، بعد أن انهارت التحالفات السابقة مع إيران وتركيا.. والسلطة الفلسطينية والاردن لن يكونا حليفين بديلين لمصر، تقهقر نظام مبارك يضع إسرائيل فى ضائقة استراتيجية، حيث تبقى بدون حليف فى الشرق الأوسط". وتحت عنوان "إسرائيل والنظام الجديد"، كتبت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقول، "إنه لا بد على إسرائيل أن تسقط المعادلة القديمة التى كانت تستند على نظام إقليمى مشكل من نظم حكم ديكتاتورية، ومن ثم البدء فوراً ودون إبطاء فى مفاوضات للتسوية السياسية الحقيقية مع جيرانها العرب، وذلك حتى تصبح إسرائيل جاراً مرغوباً فيه، وتمتع بالقبول من دول المنطقة". ولكن أخطر الدعوات جاءت على صفحات صحيفة بديعوت أحرنوت على لسان إفرايم سنيه "وزير دفاع إسرائيلى سابق"، فهو يدعو إسرائيل لأخذ إجراءات احترازية لمواجهة ذلك، وبرأيه فإن "مصر بعد الثورة لن تواصل سياسة مبارك تجاه إسرائيل، وهذا الوضع الجديد يستدعى خمس خطوات فى المدى القريب: الأول: يتعين على إسرائيل أن تستولى من جديد على محور فيلادلفيا، ألا وهو الحدود بين مصر وغزة، وإذا لم نفعل فسيتسارع التعاظم العسكرى لحماس فى غزة، والذى بات منذ اليوم لا يحتمل، الثانى يجب بناء الجيش الإسرائيلى ليس على أساس الافتراض الذى كان سائداً منذ ثلاثين عاماً، وهى إن مصر لم تعد عدواً عسكرياً، الثالث بناء العائق على الحدود مع مصر، الرابع زيادة الاعتماد على الغاز الطبيعى من آبار الغاز من المياة الإسرائيلية، الخامسة وهى الأكثر جوهرية، يجب تعزيز المحور المعتدل الوحيد المتبقى فى الشرق الأوسط، المحور الأردنى الفلسطينى الإسرائيلى.. إذا لم تنه باتفاق النزاع مع الفلسطينيين، فإن إسرائيل محكومة بالعزلة الدولية فى وضع إقليمى تحتاج فيه جداً إلى أصدقائها". لقد كان نظام مبارك صمام أمان للكيان الصهيونى، وواحد من أشد حلفائه فى المنطقة، لدرجة إن الضربة العسكرية التى كانت تنوى إسرائيل ضربها لإيران أصبحت حلم بعيد المنال على حد وصف ألوف بن كما جاء فى صحيفة هآرتس الإسرائيلية. حقيقى أن الاطمئنان بعض الشىء قد أصاب الجانب الإسرائيلى بعد بيان المجلس العسكرى باحترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، ولكن المجلس العسكرى سينتهى دوره بعد انتهاء الفترة الانتقالية وعلى الرئيس القادم ستعول إسرائيل وأمريكا فى الحفاظ على المصالح الأمريكية، وهى متوازية بنفس القدر مع المصالح الإسرائيلية.