انتشرت بعد نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير فى مصر دعوات عدة تنادى بنسيان الماضى ومسامحة من أخطأ فى حق الثورة المصرية من الفنانين والرياضيين والسياسيين وغيرهم من أركان النخبة المصرية، ووصف هؤلاء القوائم السوداء أو قوائم العار التى وضعها الثوار للفنانين والرياضيين الذين هاجموا الثورة بالكلام الفارغ. يستند الداعون إلى تلك الدعوات إلى أننا كلنا بشر وأن كل البشر معرضون للخطأ، وأننا لا يجب أن نقيم محاكم تفتيش بعد الثورة، وأن الثورة أكبر من تلك الصغائر حتى لا نتحول إلى نسخة أخرى من الثورة الفرنسية التى راحت تقتل كل خصومها بعد نجاحها، وكأن الثوار ممسكين بالسواطير والسكاكين وتأهبوا لذبح من هاجموهم. بكل أسف فإن تلك الدعوات هى حق يراد به باطل، نعم لا يجب أن نقيم محاكم تفتيش ولا يجب أن نحاكم الناس، لكن من قال إننا يجب أن ننسى ما فعله هؤلاء الأشخاص الذين يدعون زورا وبهتانا بالنخبة، هل يصلح هؤلاء أصلا إلى أن يطلق عليهم نخبة، وهل يصح أن يظل تصنيفهم بعد نجاح الثورة على أنهم من النخبة، وهى الثورة التى طالما هاجموها وسخروا منها وطعنوا فى الثوار وانتماءاتهم ورموهم بكل الذنوب والخطايا والاتهامات من كل صنف ولون. هل يمكن لأحد أن ينسى ممثلا يدعى طلعت زكريا برع فى أداء كل الأدوار الهابطة والذى اتهم الثوار فى شرفهم وعرضهم وقال إنهم يمارسون الدعارة ويشربون المخدرات داخل خيامهم؟ ودعا الجيش المصرى إلى التدخل وضرب المتظاهرين بالدبابات حتى يخافوا ويهربوا ويتركوا الميدان؟ هل يمكننا أن ننسى إبراهيم حسن الذى دعا القوات المسلحة إلى وضع خطة وصفها بال"محكمة" تستند إلى محاصرة ميدان التحرير ومنع دخول المأكولات والأدوية إلى الثوار وتجويعهم حتى يستسلموا؟ هل يمكننا أن ننسى المكالمة الفضيحة لمحمد فؤاد وهو يبكى بحرقة على مبارك ويهدد بالانتحار إذا رحل مبارك فى مشهد مزرى ومثير للقرف والاشمئزاز؟ هل يمكن لنا أن ننسى هالة صدقى وهى تصف المتظاهرين بأنهم "حيوانات"؟ والأمثلة كثيرة على كل حال وصار الجميع يعرفهم واحدًا واحدًا بالاسم. هل يمكن لنا أن ننسى من تدعى "زينة" وهى تصف المتظاهرين بالكلاب العاوية؟ هل يمكننا أن ننسى حسن يوسف وهو يصف الثوار بأنهم "صيع"؟ كيف يمكن لنا أن ننسى كل ذلك وقد اعترف كثير منهم بأن كل ما قالوه كان عبارة عن تعليمات وأوامر صدرت لهم فنفذوها بالحرف الواحد؟ وإنهم كانوا أسلحة استخدمها النظام لضرب الثورة، خاصة أن ما قالوه من تحريض بحق المتظاهرين قد صدقه كثير من الجالسين فى بيوتهم وتسبب فى خروجهم إلى ميدان التحرير يوم موقعة الجمل لطرد الذين يظنون أنهم عملاء من ميدان التحرير مما تسبب فى استشهاد عدد من المتظاهرين الشرفاء. إذا كنا نحاول أن ننسى، فقد قطعوا علينا كل طرق النسيان عندما وجدناهم يتحولون مائة وثمانين درجة بعد نجاح الثورة، ووجدناهم يدبجون القصائد فى مديح الثورة، ووجدنا معظمهم يؤكد ويقسم بأغلظ الأيمان أن أولاده وبناته كانوا من المعتصمين فى ميدان التحرير، ووجدنا من يدعى وهو طلعت زكريا ويؤكد فى حوار كوميدى لإحدى الصحف أنه ذهب إلى ميدان التحرير متنكرا!!، ونترك للقارئ استنتاج الهدف من ذهابه إلى الميدان فى نفس الوقت الذى يتهم المتظاهرون فيه بإقامة علاقات جنسية كاملة داخله. لسنا ضد من قام بتأييد مبارك، فهذا حقه ورأيه الذى نحترمه بشرط عدم الإساءة إلى أحد، ورأينا جميعا حسن شحاتة مدرب المنتخب وهو يعلن تأييده لمبارك دون أن يتفوه بكلمة واحدة فى حق الثوار، كما رأينا حسام حسن وهو يخرج فى مظاهرات تأييد الرئيس دون الإساءة إلى الثورة. كما أننا لسنا ضد من اختار السكوت والصمت من الفنانين والرياضيين والسياسيين، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وقد رأى هؤلاء أن الضغوط أقوى منهم فآثروا الصمت، وهؤلاء لم يتورطوا أيضا فى مستنقع مهاجمة الثورة. لكن ما فعله كثير ممن يطلق عليهم "النخبة المصرية" فى حق الثورة، فهو مالا يجب أن ننساه على الإطلاق. إذا نظرنا إلى تعريف النخبة نجد أنها تنص على ما يلى: هى الأقلية المنتقاة من مجموعة اجتماعية تمارس نفوذا غالبا فى تلك المجموعة عادة بفضل مواهبها الفعلية أو الخاصة المفترضة. إذن النخبة هى شريحة منتقاة بعناية وسط الجمهور تلعب دورا أكبر فى الحياة السياسية والاجتماعية لما تتمتع به قدرات خاصة، وبما أن النخبة تتمتع بامتيازات خاصة داخل المجتمع، فإن المطلوب منها يتجاوز ما هو مطلوب من الجمهور العادى، وإذا كان البعض يتحجج بأننا كلنا بشر وكلنا مخطئون فإنه يجب أن يدرك أن النخبة لم يكن يجب لها أن تضع نفسها تحت تصرف الحاكم يوجهها كيف يشاء، حيث كانت الثورة هى الاختبار الحقيقى الذى سقطت فيه النخبة المصرية وانكشف زيف معدنها وبطلانه، ووضح للجميع أنها كانت نخبة فاسدة ناتجة عن مجتمع أفسده نظام حسنى مبارك على مدار 30 عاما، فكان من الطبيعى أن ينتج تلك النخبة المشوهة. النخبة من المفترض أن تقود الجمهور وتعبر عنهم وعن آمالهم وتطلعاتهم، لا أن تعايرهم بأن حسنى مبارك يتعب من أجلنا وأننا يجب أن نحمد الله على هذه النعمة. لقد راهن النظام الساقط على هؤلاء بشدة اعتمادا على شهرتهم وحب الناس لهم ومصداقية كثير منهم عند الجمهور، واستعان بهم طوال الوقت فى هجمات متتالية على التلفزيون المصرى والفضائيات الخاصة، وفى مكالمات تليفونية ممتدة طوال أيام الثورة تم تسخيرها لمحاولة إجهاض الثورة وإقناع الناس بالعودة إلى بيوتهم، لكن رهانهم فشل ولم يصدق الناس ما يقولون واستمروا فى ثورتهم حتى سقوط النظام. نعم لا ندعو إلى محاكمات ومحاكم تفتيش، لكننا يجب ألا ننسى ما فعله هؤلاء الأشخاص الذين ظنوا أنهم يمكنهم أن يرجعوا عما قالوه وراهنوا على ضعف ذاكرة الجمهور وأنهم يمكنهم أن يمسحوا ما قالوه من الذاكرة، ونسوا أن هناك تسجيلات موثقة على اليوتيوب تفضحهم وتعرى خذلانهم وانسحاقهم ونفاقهم أمام الحاكم، كما يجب إسقاطهم تماما وعدم تصنيفهم كنخبة معبرة عن المجتمع المصرى حتى يعتزلوا العمل العام ويجلسوا فى بيوتهم جزاء لما ارتكبوه فى حق الوطن. لا يستوى من خرج واضعا روحه على كفه مطالبا بالحرية والكرامة، مع من وضع لقمة عيشه هدفا أمامه ووصف الشرفاء بأحط وأقذر الألفاظ والاتهامات. إن مصر تستحق نخبة جديدة.