هالة السعيد: المرأة المصرية أصبحت عنصرًا فاعلًا في المجتمع    هيئة التأمين الصحي الشامل تحقق 41 مليار جنيه إيرادات خلال 9 أشهر    مجلس الوزراء يوافق على تعديل قانون الضريبة على العقارات المبنية    عاجل.. رابطة الأندية تقرر تسليم درع الدوري اليوم للفريق المتوج بالبطولة    ضبط تشكيل عصابي تخصص في استخلاص مادة فعالة لتصنيع مخدر الآيس    الحكومة تطرح 4 آلاف سيارة تاكسي وربع نقل للشباب بدون جمارك وضرائب    محافظ البحر الأحمر يتابع أعمال تطوير محطة تحلية مياه الغردقة ورفع طاقتها الإنتاجية    5 أهداف مهمة لمبادرة الرواد الرقميون.. تعرف عليها    الرواد الرقميون.. الرئيس السيسي: انتقاء الدارسين في المبادرة بلا أي نوع من المجاملات على الإطلاق    وزير الكهرباء: 21 مشروعًا لتوليد الطاقة المتجددة بأحدث التقنيات 7 منها بالشراكة مع القطاع الخاص    الخارجية الأمريكية: ترامب مستاء ونفد صبره من بوتين    كييف تعلن إسقاط 71 من أصل 88 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    الاتحاد الأوروبي يعتمد رسمياً إجراءات قانونية لرفع العقوبات عن سوريا    اليونيفيل: أي تدخّل في أنشطة جنودنا غير مقبول ويتعارض مع التزامات لبنان    افتتاح الصالة المغطاة بالقرية الأولمبية بجامعة أسيوط (صور)    مصدر من اتحاد الكرة ل في الجول: الزمالك وبيراميدز لم يطلبا بشكل رسمي تحكيم أجنبي لنهائي الكأس    كريستيانو رونالدو يتلقى عرضًا من نادي إنجليزي    اسكواش - تتويج عسل ونوران جوهر بلقب بالم هيلز المفتوحة    خبر في الجول - الجفالي خارج حسابات الزمالك بنهائي كأس مصر    «قبل المونديال».. بايرن ميونيخ يتحرك لتعديل عقد نجم الفريق    الأهلي يرد على مزاعم بيع زيزو    توقيع بروتوكول تعاون بين التضامن والزراعة لدعم مبادرة "ازرع"    سليمة القوى العقلية .. أسباب رفض دعوى حجر على الدكتورة نوال الدجوي    الإعدام لمتهم والسجن المشدد 15 عامًا لآخر ب«خلية داعش قنا»    "الثقافة" تسدل الستار على أزمة إغلاق قصور الثقافة.. ما الجديد؟    فلاش موب موسيقي في محطة روتردام احتفالا بافتتاح مهرجان الفيلم العربي    نسرين أسامة أنور عكاشة ل«البوابة نيوز»: مفتقد نصيحة والدي وطريقته البسيطة.. وأعماله تقدم رسائل واضحة ومواكبة للعصر    الصحة: خطة لخفض نسبة الولادات القيصرية إلى أقل من 30%    وكيل صحة البحيرة يتفقد مركز علاج مرضى السكر في دمنهور    طريقة عمل الكيكة الاسفنجية، باحترافية وبأقل التكاليف    ماكرون: مؤتمر حل الدولتين بنيويورك سيشكل زخما للاعتراف بدولة فلسطين    مطلب برلماني بوضع حلول جذرية لتحديات تنسيق رياض الأطفال بالمدارس التجريبية    «تقدير الجمهور أغلى جائزة».. مي عمر تعلق على فوزها ب أفضل ممثلة عن «إش إش»    حكم صيام الأيام الثمانية الأولى من ذى الحجة.. دار الإفتاء تجيب    «بيت الزكاة والصدقات» يصرف 500 جنيه إضافية لمستحقي الإعانة الشهرية غدًا الخميس    في أول أيام الشهر.. تعرف على أفضل الأعمال في العشر الأوائل من ذي الحجة    حكم صلاة الجمعة إذا جاء العيد يوم جمعة.. الإفتاء توضح الرأي الشرعي    الاتحاد الأوروبي: يجب عدم تسييس أو عسكرة المساعدات الإنسانية إلى غزة    حملة أمنية تضبط 400 قطعة سلاح وذخيرة خلال 24 ساعة    كوريا الشمالية تهاجم قبة ترامب الذهبية وتتعهد ب"تناسق القوة"    نائب وزير الصحة تشارك فى جلسة نقاشية حول "الاستثمار فى صحة المرأة"    تفاصيل الاحتفال بتخريج دفعة جديدة من "حقوق السوربون" بجامعة القاهرة    بالصور- إقبال على المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة ببورسعيد    القاهرة الإخبارية تكشف تفاصيل الغارة الجوية الإسرائيلية على صنعاء    روبوت ينظم المرور بشوارع العاصمة.. خبير مرورى يكشف تفاصيل التجربة الجديدة.. فيديو    وداعاً تيتة نوال.. انهيار وبكاء أثناء تشييع جنازة جدة وئام مجدى    البليهي يرحب بالرحيل عن الهلال    صندوق النقد يحث مصر بتقليص دور القطاع العام في الاقتصاد بشكل حاسم    وزير التعليم العالي يترأس اجتماع مجلس الجامعات الأهلية ويوجه بسرعة إعلان نتائج الامتحانات    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    نائب وزير الصحة: إنشاء معهد فنى صحى بنظام السنتين فى قنا    وزير الثقافة: ملتزمون بتوفير بنية تحتية ثقافية تليق بالمواطن المصري    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب لبحث تطوير العلاقات    قرار من «العمل» بشأن التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل الوزارة    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 ببني سويف الترم الثاني.. رابط وخطوات الاستعلام    وزير الأوقاف يهنئ الشعب المصري والأمة العربية بحلول شهر ذي الحجة    ألم في المعدة.. حظ برج الدلو اليوم 28 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الله
نشر في اليوم السابع يوم 21 - 09 - 2018

لم يخطر بباله يوما أن ينتهى به المطاف هنا، بائع فى محل أخذية. لا يخجل عبد الله من المهنة التى فرضتها عليه ظروف لا يد له فيها، فلا يجوز له أن يقلل من عمل شريف هكذا لقنه والده، لكنه أحيانا يتطلع إلى السماء متسائلا فى لوم: "كيف أكون طبيبا ينتظرنى مستقبل ظننته مبهرا، فينتهى بى الحال هنا فى محل صغير بالعتبة. أبيع الأحذية، "يزغر" لى صاحب المحل إذا فشلت فى إقناع الزبون أن هذا الحذاء أو ذاك يناسبه.

فى أول يوم له بالعمل، لقنه صاحب المحل الحاج محمد - هكذا يحرص أن يناديه الجميع - بعض الحيل لإقناع الزبائن، إذا كان الحذاء ضيقا ولا يوجد مقاس أكبر، على البائع الخبير أن يبادر الزبون قائلا: "هتريح فى اللبس"، أما إذا كان الحذاء كبير ولا يوجد مقاس أصغر فعليه إقناع الزبون: "المقاس يصغر نمرة لما نزود فرش تانى".

الحاج محمد يرى المشترى دائما مترددا ويحتاج لمن يأخذ بيده، وعلى البائع الشاطر أن يقنعه بما لديه.

لم يعتبر عبد الله تلك الحيل سُبلا للإقناع كما أخبره صاحب المحل بل رآها طرقا مبتكرة للاحتيال، لكنه لا يملك رفاهية الجدال، فأبدى تفهما واستيعابا كبيرا لدروس ونصائح الحاج.

لم يطبق عبد الله شيئا من تلك الدروس، إلا إذا لمح الحاج يقترب منه متلصصا يتسمع إلى حواره مع الزبائن، ليطمئن الرجل على تجارته وماله. آنذاك يتظاهر عبد الله بمحاولة إقناع الزبون بالشراء مرددا جملة من دروس الحاج حتى وإن كانت لا تناسب الموقف، كأن يقول للزبون "الجزمة هتريح فى اللبس" بينما يشكو الرجل من اتساعها.

يدرك عبد الله جيدا أنه لا يستطيع التخلى عن هذا العمل البسيط، حتى وإن كان فيه شبهة احتيال كما يعتقد، وإلا كيف يعيش فى القاهرة وهى لا ترحم الرجل العامل، فما بالك بالخالى منه. ولا تحنو على أبنائها فماذا تصنع بالغرباء أمثاله؟

فى قريته الصغيرة بشرق السودان كان أهل البلدة يشفقون على أصحاب البشرة البيضاء من أبناء الشمال التابعين لبعثات الأمم المتحدة. يفخرون ببشرتهم السمراء التى منحها الله لهم، يحمدونه عليها، لم يدرك وقتها أنه سيأتى يوما ويتبدل الحال، وتصبح بشرته السمراء الداكنة جواز سفر للتجاوز فى حقه، أو دافعا للارتياب منه كما رأى هنا فى شوارع القاهرة.

تذكر يوم قرر أصدقاؤه الفارين مثله من جحيم الحرب بالسودان أن يتخذوا موقفا إيجابيا تجاه تعنت مفوضية شئون اللاجئين التى تحول دون تحقيق حلمهم بالهجرة إلى دول الشمال فى أوروبا. تزعم المفوضية أن الحرب انتهت وأن السلام قد عم أرجاء السودان. فلماذا لا يعودون إلى بلدهم؟

فيردون: أهل مكة أدرى بشعابها، وما يقال على شاشات الفضائيات لا محل له من الإعراب على أرض الواقع. إنه الجحيم ينتظرنا إذا عدنا.

تتمسك المفوضية بما ترى ولا ترى إلا ما ترى. لا ينفعهم الصراخ أن القاهرة ليست قبلتهم، فهم لا يريدون الحياة من جديد على ضفاف النيل. لم يذوقوا منه إلا مَرارا على اتساعه فى بلادهم، فكيف يتوقعون منه خيرا وهو يختنق هنا فى القاهرة.

قرروا البقاء فى حديقة الميدان الكبير بالقرب من مقر المفوضية لعلها تلين، وتخضع لرغباتهم. مرت أيام والمفوضية لم تغير رأيها، ولم يقبل أصحاب الأرض التجمهر بالميدان، فأنفض الجمع غصبا.

بعد صلاة الجمعة عرف عبد الله الأخبار. مات عبد المولى صديقه وبعض الأصدقاء معه. تذكر محاولات عبد المولى لإقناعه بالمشاركة معهم فى الاعتصام، يومها ابتسم عبد الله قائلا: "مفيش فايدة".

ابتسم لأن صديق عمره ارتاح أخيرا، تطلع إلى السماء مناجيا بعينين تفيضا بماءٍ يعكره الغضب والحزن:
"أنت ربى، وأنت تعلم لكنى لا أعلم لماذا تفعل بنا هذا؟

هل يجب أن أصبر، أم أن أدعى الصبر، وألعب دور الراضى بقضاء ربه.. ألعب هذا الدور كذبا.. أو لن تعلم أنى كاذب؟ أنى أدعى الرضا ولست براضٍ، بل أنى فى الحقيقة ساخط على قضائك.

لا أفهم لماذا خلقتنى فى ذاك الركن المظلم من الكون، لماذا؟.. هل تختبر قدرتى على التحمل؟.. ها أنا أقولها لك صراحة لقد فشلت.. فهل لى أن أُسلم أوراق إجابتى بيضاء من غير سوء، وأغادر لجنة امتحانك الأن؟.. شهدت منذ أدركت وجودى أنه لا إله إلا أنت سبحانك، وأن محمدا عبدك ورسولك. لم أعرف غير الإسلام دينا ورثناه عن أبائنا وأجدادنا. ولم نشُك يوما أن أباءنا على ضلال. أخبرنى أكانوا على ضلال؟ ربما.. لم يشُك عبد المولى يوما أن أباه على ضلال يوم أورثه الإيمان بك، فأين هو الآن؟ بالطبع عرفت، إنه فى طريقه إليك.. هل أشفقت عليه فأخذته إليك لتسترضيه مما نلقاه من عبادك المؤمنين هنا؟

- لو سمحت مقاس 45 أسود، وأشار الرجل إلى الحذاء الذى يقصده.
أحضر عبدالله زوج الأحذية التى طلبها الرجل، وردد فى تلقائية:
"جزمة ممتازة لو ضيقة هتريح فى اللبس ولو واسعة حطلها فرش".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.