الماء والهواء والوجه الحسن، هكذا اختارت أن تحتضن الطبيعة ببكارتها و الهواء والسماء بنقائها وصفائها، فافترشت الرمال وقضت أوقاتا جميلة بين الجبال، فقررت ألا تخرج منها كعاشق وهب حياته لمعشوقته، والعاشقة هى إيفلين بولس السويسرية، والمعشوقة هى قرية تونسبالفيوم التى قضت فيها كل شبابها، حدثتنا فى الحوار التالى عن حياتها فى مصر وعن ذكرياتها مع رمضان. حدثينا عن مجيئك إلى مصر.. هل جئت سائحة أم للعمل؟ أنا لا أحب كلمة سائحة.. أنا مقيمة فى مصر وبصورة دائمة، وجئت مصر منذ كان عندى عشرون سنة، فقد حضرت إلى القاهرة حوالى عام 60 19 بعد أن تم تعيين والدى قساً للكنيسة البروتستانتينية، وقد زرت جميع الأماكن السياحية والأثرية فى مصر. ولماذا اخترت الفيوم للعمل والإقامة؟ اخترت الفيوم صدفة بناء على رأى أصحابى الذين رشحوا لى الفيوم للزيارة، خاصة أنهم يعرفون جيداً الأماكن التى تنال إعجابى، وفعلاً كانت المنطقة بكراً لم تتدخل فيها يد إنسان، فقرية "تونس" كانت عبارة عن عزبة صغيرة سكانها عددهم قليل جداً ويتصرفون على سجيتهم بشكل فلكلورى رائع، ولأنى كنت أحب الزرع وهو يتدرج إلى البركة (بحيرة قارون ) ثم يصعد إلى الجبل مرة أخرى جعلنى أقيم فيها إقامة دائمة. لماذا فكرت فى عمل مدرسة للفخار فى هذه المنطقة؟ أولاً أنا تخصصى الدراسى خزف وفخار، لذلك فكرت أن أقوم بعمل المدرسة فى المنطقة التى أعجبتنى، خاصة أن آخر مرحلة للفخار الإسلامى كانت فى الفيوم، ومازالت نماذج منه تزين المتاحف المصرية والأجنبية، وعندما جئت إلى الفيوم لم يعرف عن صناعة الخزف غير صناعة "القلل، والبكل، والأزيار" هل واجهتك صعوبات فى تنفيذ فكرتك؟ أولاً طبيعة الأرض فى الفيوم صعب استخلاص طينة الفخار منها، ورغم أن هناك طينة موجودة فى "النزلة" إلا أنها تحتاج إلى عملية "تنخيل" وتنقية، وأنا لم تكن لدى المعدات الكافية، فلذلك استخدم طينة فخارية جاهزة من أسوان ويمكننى حالياً أن استخدم طينةالفيوم، ولكن ليس لدى الشجاعة لذلك فقد كبرت واستسهلت (تضحك). هل وجدت تعاوناً فى تنفيذ مشروعك من الناس ومن الجهات المسئولة؟ الحكومة المصرية أصرت أن أعمل تحت مظلة أو جمعية اجتماعية، واقترحت على مشروعا لتعليم الأولاد الفخار فى قارون، لكنى رفضت لأن المسافة طويلة ولا يوجد مواصلات سوى الدراجات. لكنى وافقت على العمل من خلال جمعية لتنمية المجتمع فى "قوته". وماذا عن أهالى المنطقة؟ الفلاحون "طيبون"، فبمجرد الإعلان عن المشروع جاءنى أطفال كثيرون للتعلم، وكانوا يتعلمون بسرعة وينتجون أعمالا جميلة بلا مقابل، رغم أنهم مازالوا فى مراحل الدراسة، لذلك قررت عمل معرض اشتغلته كله من عمليات حرق للفخار حتى الرسومات والنقش، وخصصت ماله كله لهؤلاء الأطفال. وبوجه عام الأهالى طيبون ودائما ما نتزاور، خاصة أهالى الأطفال الذين يعملون فى المدرسة. هل لديك ذكريات خاصة فى شهر رمضان فى قرية "تونس"؟ نعم، فكثيراً ما كنت ألبى دعوة الأهالى للإفطار فى رمضان، خاصة من تلاميذى فى المدرسة، وأحب كثيراً فى رمضان التزاور بين الأهالي. هل تغير رمضان فى القرية الآن عنه زمان؟ لا لم يتغير كثيراً، لكن لم يعد لدى الوقت لتلبية كل الدعوات، إلا إذا كانت من شخص مقرب جداً أو من أحد تلاميذى فى المدرسة. وهل يعجبك إفطار رمضان؟ "الأكل المصرى حلو جدا ومفيد"، لكنى لاحظت أنه يعتمد على أصناف مكررة "دائماً نفس الأكل محشى وأرز وملوخية وسلطة ولحمة". وما أكثر ما يجذبك فى الجو الرمضاني؟ أشياء كثيرة، لكن ما لا يعجبنى هو أن الناس فى رمضان يميلون إلى الكسل بحجة الصيام ، وتلاميذى فى المدرسة عرفوا رأيى فى هذا الموضوع فصاروا يعملون بجد وحماس أكبر فى رمضان كبير لدرجة أننى استغربت واندهشت من إنتاجهم فى شهر رمضان، لكنهم كانوا يريدون إثبات أن رمضان ليس شهراً للكسل. ودائما أرى بينهم جواً جميلا فى رمضان أثناء العمل فهم يضحكون و يعملون وكأنهم يلعبون. كيف تصفين فترة إقامتك الطويلة فى مصر؟ أنا اعشق مصر، والحمد لله الحكومة المصرية تعطينى معاشا 60 جنيها (تضحك) ولكن مازلت حتى الآن رغم العمر الطويل الذى قضيته فيها ليس لى إقامة، وقد وعدنى محافظ الفيوم عبد الرحيم شحاتة بعمل إقامة لى ثلاث سنوات ولكن من جاء بعده رفض مدها، لذلك فرغم قضائى أكثر من أربعين سنة فى مصر فلدى فقط إقامة سياحية مدتها ثلاثة أشهر، وشرط الإقامة الدائمة هو عدم مغادرة مصر لأكثر من عشر سنوات، وهذا الأمر صعب جداً نظراً لتعدد معارضى فى الخارج. لكننى سعيدة بوجودى فى مصر وبتلاميذى وبعلاقاتى الحميمة بكل المحيطين بى من الأهالى الطيبين.