إذا أردت أن يختلف معك أحد بقوة أو تتلقى اتهامات سخيفة لا أساس لها من الصحة، حاول أن تكتب فى تلك القضية الشائكة حول الدين والسياسة والفصل بينهما، لكن ما باليد حيلة. ونحن نرى ملف هاما فى العدد الأسبوعى ل"اليوم السابع" يتكلم عن الإخوان والكنيسة ومعركة الاستفتاء وغيرها، وما أسفرت عنه نتيجة الاستفتاء بنعم وما تم فهمه أو استنتاجه على أن نعم هى نجاح للإخوان أو لقوتهم التصويتية أو التنظيمية التى لا يختلف أحد على وجودها، لكن الاختلاف حول مدى قوتها ومدى تأثيرها الحقيقى فى الشارع السياسى. وأعتقد شخصيا أن "نعم" كانت من المواطن المصرى العادى الذى يريد الاستقرار ويريد خطوة للأمام والاختلاف مع فريق لا فى الكيفية فقط، وليس هناك نجاح للإخوان أو لغيرهم فى تلك المسألة.. وما جرى فى قصة الدعاية الانتخابية من شد وجذب وسكر وزيت وشعارات كلها أمور وإن كانت مرفوضة لكنها ليست مفصلية فى النتيجة أو ساهمت بشكل أو بآخر فى النتيجة وأعتقد بل أوقن أن رؤيتى هى الأقرب للواقع وطبعا قد أكون مخطئاً ولا ضير فى ذلك. ولكن ما أريد قوله هنا وأحب أن نتشارك فيه سويا هو قصة الدين وفصله عن السياسة فهناك فريق يقول: ليس من طبيعة الدين الحنيف أن ينفصل عن الدنيا.. وأن يكون فى ركن ضئيل يسمى بالأحوال الشخصية، وسائر الأركان الأخرى تسلم لآلهة أخرى يضعون لها المناهج دون الرجوع إلى شرع الله تعالى. ليس من طبيعة الدين أن يشرع طريقا للآخرة لا يمر بالحياة الدنيا.. نعم ليس من طبيعة الدين أن نمنعه من التدخل فى شئون حياتنا ونفترى عليه ونقول" :لا تدخلوا الدين فى كل شىء" ونقول: "خل دينك لنفسك"، أو نقول على سبيل المثال: "إن قضية حجاب المرأة واختلاطها بالرجال ليست قضية دينية"... لا، ليس دين الله هكذا أنزل.. بل أنزل ليحكمنا فى كل صغيرة وكبيرة، رجالا ونساء، وكل قضايانا دينية. وهناك فريق يقول: إن من العبث خلط الدين بالسياسة ومن الخطر أن نمزج هذا بذاك ونحاول أن نكون أولياء وأوصياء على عقول الناس، كيف ننادى بحرية العبادة وبحرية العقيدة وبحرية التفكير، ثم نجعل أى خلاف بيننا ذا صبغة دينية ونكفر هذا وذاك ونغوص فى نوايا البشر. إن الدين هو أفيون الشعوب وهو روح الحياة نفسها، ولكنه علاقة بين الإنسان وخالقه.. وهى علاقة شديدة الخصوصية.. لا يجب أن نتدخل فيها ونقحم مشاكلنا اليومية أو السياسة تحت هذا الرداء.. لأنه ببساطة الدين أرقى وأنبل من لعبة البشر السياسية. نعم، الأديان السماوية تحدثت وأسهبت ووضعت قوانين للعمل فى الدنيا، ولكن اختلاف التأويل واختلاف التفكير وأنواع التكفير مختلفة وشديدة الخطورة، لهذا وجب الفصل بينهما ليس تقليلاً من قدسية الدين بقدر مخاوف من قذارة السياسة وقدسية واحترام كل دين. فلماذا الغيرة على الدين والتخوف من أبعاده عن السياسة؟.. فهذا هو عين الاحترام والمنطق. وبين الفريقين قد نختلف أو نتفق، لكن فى العموم نتفق كلنا على احترام وقدسية الأديان السماوية وأن اللعب بها لمصالح شخصية هو قمة الخطورة وهو غاية المفسدين فى حياتنا اليومية سواء كان بقصد أو بجهل.. الدين أنبل وأرقى من جموح وشرور النفس البشرية وخاصة الألاعيب السياسية الدنيوية. رجاء.. لا للعب بالعواطف على حبال الدين.. إن الوطن فى منعطف تاريخى ومن الخطر اللعب على تلك الحبال.. يا لاعبى السيرك السياسى.. إن المسرح خال لكم.. فالعبوا بشرف من أجل مصر، وتنافسوا بشرف من أجل رفعة هذا الوطن، ولا تكونوا أوصياء سوى على أنفسكم.. اتركوا الناس تختر الأصلح لها، والتجربة هى خير دليل لطريق الديمقراطية الصحيحة ومصر والله تستحقها بكل جدارة. يا مصريين.. مصر أمانة فى قلوبنا.. فلا تلعبوا بالنار.