تحبس مصر أنفاسها تخوفاً من ثورة مضادة من خارج القوى التى شاركت فى الثورة، التخوف فى غير محله ويصرف الأنظار بعيداً عن الخطر الأكبر على الثورة والذى يأتى من قوى شاركت فيها أو أيدت مطالبها أو بعضاً من مطالبها، والتى تتبنى مواقف تتلاقى أو تتقاطع موضوعياً مع مواقف القوى المعادية للثورة، وهو ما نلاحظه فى الوقت الحالى من تطابق فى مواقف بقايا النظام القديم وأنصار الحزب الوطنى وقوى الإسلام السياسى من التعديلات الدستورية التى ستطرح للتصويت فى استفتاء يوم السبت القادم. ومن طبيعة الثورة المدنية، وهو ما استقر الرأى عليه فى تعريف ثورة 25 يناير 2011، أنها فى تطورها تخلق مداها الثورى على نحو يختلف عما يحدث فى الثورات الاجتماعية، ففى الثورة الاجتماعية تنظم قوى الثورة المضادة فيها من أجل الحفاظ على قيم الملكية وقيم السمو الطبقى، ولكن الثورة المضادة فى الثورة المدنية تنمو نتيجة عدم استعداد قوى اجتماعية وسياسية مشاركة فى الثورة للوصول إلى المدى الأقصى للحريات المدنية، فتتوقف هذه القوى عن أن تكون ثورية، وتنقلب محافظة، بعبارة أخرى، الثورة المضادة فى سياق الثورة المدنية تتولد عندما ترى قوى سياسية أو اجتماعية أن من صالحها الآن اقتطاف ثمار الثورة، لأن الاستمرار فى الثورة سيساهم فى خلق وضع أكثر مدنية، لا تستطيع القوى المحافظة أن تتواءم معه. ثورة 25 يناير شاركت فيها قوى جيلية واجتماعية عديدة ومتعددة من اليسار إلى الإخوان والسلفيين إلى الشباب الغاضب والثائر من مجمل الأوضاع العامة، فى هذه المرحلة التى تعيشها مصر نجد أن الإخوان والسلفيين وجدوا أنه من الصعب عليهم الاستمرار فى الثورة المدنية لما يجره ذلك عليهم من إحداث تغيير ثقافى شامل لا يرغبون فيه، ويخشون منه، لأنه سيدفع إلى دولة ذات طابع ليبرالى فى القيم والمعتقد وبالتالى لا يفضلونه. فمن الناحية المعرفية مازالت هذه القوى تعتمد القيم المحافظة والدينية كأساس للتنظيم الاجتماعى وقد انجرفت إلى سياق الثورة بفعل مشاركة شبابها المتمرد على القيود الداخلية للجماعة أو كراهية فى النظام القديم وسياساته التقليدية، فى هذا الوقت الحرج، وهو زمن الصراع حول تحديد الموقف السياسى، واضح من خلال الجدل حول التعديلات الدستورية والتى ستطرح للتصويت عليها فى استفتاء عام يوم 19 مارس 2011، ونلاحظ توجه الحياة والساحة السياسية ناحية اصطفاف الإخوان والسلفيين وأنصار الحزب الوطنى وحزب العمل المجمد ليكونوا على رأس المنادين بالموافقة على التعديلات، بينما نجد كل القوى الليبرالية والاشتراكية والشباب الثوريين يدعون إلى رفض التعديلات الدستورية المقترحة. ويحسب الجناح المحافظ السلفى والإخوانى وأنصار حزب الوطنى حاجته إلى إقرار التعديلات الدستورية للأسباب والاعتبارات التالية: أولاً، فى ضوء القوه الاجتماعية المتنامية للقوى السلفية والاخوان المسلميين بالإضافة إلى مخزون قوة الحزب الوطنى فى المحليات تعتقد هذه القوى أنه من الصعب بناء قوة وحشد لصالح القوى الليبرالية والاشتراكية، ثانيا، تعتقد هذه القوى الثلاث المحافظة أن التعديلات الدستورية : (مادة 189) فقرة أخيرة مضافة، تعمل لصلحها تماما. وقول هذه المادة: "ولكل من رئيس الجمهورية، وبعد موافقة مجلس الوزراء، ولنصف أعضاء مجلسى الشعب والشورى، طلب إصدار دستور جديد، وتتولى جمعية تأسيسية من مائة عضو، ينتخبهم أغلبية أعضاء المجلسين من غير المعينين فى اجتماع مشترك، إعداد مشروع الدستور فى موعد غايته ستة أشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض رئيس الجمهورية المشروع خلال خمسة عشر يوماً من إعداده على الشعب لاستفتائه فى شأنه، ويعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه فى الاستفتاء". وسيكون من غير الحكمة، بالنسبة لهذه القوى المحافظة، عدم تفويت فرصة إيقاف عجلة بناء الدولة الليبرالية، هذه المادة تسمح للقوى الثلاث، وهى الأكثر تنظيما من ناحية التخطيط الانتخابى بممارسة نفوذ حاسم فى صياغة مواد الدستور الجديد، فالأرجح أنها سوف تفوز بنصب الأسد من المقاعد فى المجلس القادم، وبالتالى سيتم اختيار أعضاء لجنة وضع الدستور من بينهم. ثالثا، رغم انه ليس صحيحا وغير لائق من الناحية الدستورية أن يتم اختيار الجمعية التأسيسية من الأعضاء المنتخبين لمجلسى الشعب والشورى، حيث إن الواقع السياسى المصرى يطرح كاحتمال واقعى أن يكون أعضاء مجلس الشعب والشورى فى الانتخابات القادمة لا يمثلون توزيعاً ديمقراطياً لكل الطوائف وانماط السكان. فنحن نعرف أن منطق الجمعية التأسيسية مختلف عن منطق الانتخابات الرلمانيه، الجمعية التأسيسية تمثل الأمة فى المستقبل، بينما الانتخابات البرلمانية تمثل الأغلبية الانتخابية فى الحاضر، بعبارة أخرى، هذا النص قصد به اغتصاب حق الأمة والأجيال القادمة لصالح الأغلبية الانتخابية الآن، علماً بأن مفهوم الأغلبية فى الديمقراطيات هو مفهوم متغير عبر الزمن. رابعاً، من غير اللائق أو الصحيح دستوريا إدخال مجلس الوزراء والذى يعتبر سلطة تنفيذية بامتياز كفاعل فى عملية التغيير الدستورى، فلا يزال الدستور المصرى رئاسياً، ولا يزال رئيس الجمهورية وفق هذه التعديلات يتمتع بسلطات إمبراطورية، فما الداعى إذاً إلى إدخال مجلس الوزراء كعنصر فى عملية التغير الدستورى؟ فى اعتقادى، أن هناك منذ اللحظة الأولى من الثورة كان هناك مخطط من جانب بعض القوى بوضع الوزارة تحت نفوذ أو تأثير القوى السلفية والإخوانية، فكان لابد من تنصيب وزاره متعاطفة مع القوى السلفية والإخوانية. خامساً، وفق القواعد القانونية للاستفتاء تحسب النتيجة إيجابية عند التصويت لنصف الحاضرين زائد صوت واحد، بعبارة اخرى، يجب على كل الليبراليين والاشتراكيين وشباب الثوريين الحشد بشكل يفوق قوى السلفيين والإخوان وأنصار الوطنى لإحباط مخطط مصادرة مستقبل مصر، على القوى المستنبرة يوم السبت القادم أن تتجمع فى ساحات التصويت تهزم قوى السلفيين والإخوان الحزب الوطنى من أجل استكمال بناء الدولة الليبرالية.