خلال السنوات القليلة الماضية صدرت ثلاثة أحكام من ثلاث محاكم مختلفة جغرافيا وقضائيا فى ثلاث قضايا غرق عبارات ولم يدن واحد منها، مالك العبارة ولا الشركة المالكة ولم يصدر حكم جدى واحد يتناسب مع مقتل قرابة الألفين من البشر غرقا فى المرات الثلاث، القضايا الثلاث: هى سالم إكسبريس والسلام 95 وأخيراً السلام 98، والمحاكم هى جنح السويس وجنايات القاهرة وجنح سفاجا، أما الشركة المالكة فهى شركة واحدة يملكها رجل واحد هو ممدوح إسماعيل الذى لم يصدر بحقه أى حكم قضائى فى المرات الثلاث. ووفقا للزملاء الذين أجروا حوارات صحفية مع ممدوح إسماعيل بعد هروبه، فأن الرجل كان واثقا من الحكم ببراءته، حسب الأوراق المقدمة للمحكمة وبتعبير قانونى، حسب التكييف القانونى للاتهامات الذى قدمته النيابة العامة، وهو ما يفسر تحميل النيابة العامة مسئولية براءة ممدوح، وهو أيضا ما يفسر قول المستشار أحمد مكى نائب رئيس محكمة النقض، إن رئيس محكمة جنح سفاجا الذى أصدر الحكم هو الضحية رقم 1035، أى أنه انضم لقائمة ضحايا العبارة، ولكن المتهم هنا هو النيابة العامة والأداة المستخدمة لم تكن عبارة، ولكنه كان نص قرار الإحالة وأغلب الظن أن ثقة ممدوح إسماعيل فى الحكم لم تستند فقط إلى ثقته فى خدمات النيابة العامة، ولكنها ترجع إلى ثقته فى سجل أحكام القضاء ضده وضد عباراته. ومع ذلك كان المزاج المصرى مهيأ لحكم قاس ضد ممدوح إسماعيل، ربما لأننا شعب يؤمن بأن النسيان نعمة، وربما لأن لجنة تقصى الحقائق التى شكلها مجلس الشعب للتحقيق فى كارثة غرق العبارة وجهت اتهامات مباشرة لعضو الشورى الهارب ممدوح إسماعيل بشخصه وصفته، حيث رصد التقرير شبهة تربح إسماعيل من موقعه كعضو فى مجلس إدارة هيئة موانئ البحر الأحمر بالحصول على ترخيص بمساحة 9 آلاف متر مربع فى ميناء سفاجا التابع للهيئة، بإيجار سنوى قدره عشرة قروش للمتر الواحد، أقام عليها محطة خدمة وإيواء لركاب السفن التى يقوم بتشغيلها، علاوة على مخالفات فى العبارة نفسها أو إجراءات تسييرها وما يتعلق بمواصفات السلامة، وجاء فى التقرير بالنص اتهامات بالتهاون والإهمال تقترب من حد العمد. هذا التقرير الصادر عن جهة هى أعلى سلطة رقابية تمتلك حق التحقيق والحصول على معلومات، يوجه اتهامات مباشرة ولا تقبل الشك لمالك العبارة ولهيئة موانئ البحر الأحمر ويضعنا أمام تساؤل عن مصير التقرير بعد حكم المحكمة، الذى جاء بناءً على قرار إحالة اختصر وبشكل مخل الاتهامات الواردة فى تقرير لجنة تقصى الحقائق. هنا لابد أن نسجل ملحوظة، وهى أن حكم المحكمة يدين من الناحية النظرية على الأقل نتائج تقرير اللجنة ودعونا نطرح سؤالا يدور فى بال الكثير من عامة الناس ونصه: أيهما نصدق تقرير لجنة تقصى الحقائق أم حكم محكمة جنح سفاجا؟. وبالعودة إلى الحكم و ملابساته، فأنا لا أميل إلى إبراء ساحة محكمة جنح سفاجا والاكتفاء بتحميل النيابة العامة مسئولية اختزال الاتهامات، وحسب معلوماتى القانونية المتواضعة، فإنه يحق للمحكمة إعادة تكييف قرار الاتهامات إذا رأت ذلك، وأعتقد أن شهادة عشرات الشهود وما جاء فى تقرير لجنة تقصى الحقائق يوفر هذا الحق للمحكمة، ولكنها تنازلت عنه لأسباب ما، وبخصوص التكييف القانونى وبعد تحديد جلسة أولى لنظر الاستئناف ضد حكم جنح سفاجا هل سيعاد تكييف قرار الإحالة؟ وهل ذلك يجوز قانونا أم سيتم الاكتفاء بنفس الاتهامات الواردة فى قرار الإحالة الأول؟، ليكون الحكم بعد الاستئناف مثلما كان قبله لتكون البراءة مع سبق الإصرار والترصد. ولنترقب معا غرق عبارة جديدة ونقول..كل عبارة وانتم بخير.