◄◄ كلام الحكومة جد يقلب هزار وكلام المعارضة بيانات ونكت وإفيهات وإستيتوسات وصور على الفيس بوك فقط ◄◄ أبوالغيط يرى المقارنة «كلام فارغ».. وغالى يرفض دعم المنتحرين والبرلمان يهتم بمحروقى الدخل ◄◄البرادعى يكتفى بتويتر والنشطاء يغيرون البروفايل وينكتون على المنتحرين والكوافيرات والهاربين كيف تحولت الأحداث الجادة إلى نكتة مع حكومة نظيف، وكيف اختصرت لدى البعض فى بروفايل أو تويتر.. حكومة كوميدية كلما أرادت أن تتحدث جَداً فإنها تلقى بالنكات، بدون قصد أو رغبة فى الهرب من المسؤولية وإلصاقها بالآخرين. الدنيا تنقلب أو تعتدل والحكومة صامدة ومتماسكة ومصرة على أن تقول الكلام نفسه وتتعامل بالطريقة نفسها دون أى شعور بالدهشة أو الصدمة. وقعت أحداث تونس، مظاهرات وتغييرات وهروب، وظل وزراؤنا يصرون على أننا لسنا تونس، وإذا أشعل مواطنون النار فى أنفسهم اعتراضا سوف تحولهم الحكومة إلى مجانين ومبتزين وسوف تخرج لهم نسبة النمو، وتشهر فى وجوههم المؤشرات الاقتصادية، لتبقى بيضاء من غير سوء. حكومة ساخرة مع أنها تريد أن تظل متجهمة ومتضايقة وروحها فى مناخيرها أو مناقيرها. «جاء يكحلها فأعماها»، مثل يضرب بشخص يحاول إصلاح شىء فيزيده فساداً، عندما وقعت أحداث تونس سارع الوزراء فى نفس واحد بالقول لسنا تونس، ولما حاول مواطنون الانتحار، سارعت وزارة التضامن أولاً لتقديم شهادة بأن المواطن عبده الذى حاول الانتحار أمام مجلس الشعب مريض نفسى كان يعالج فى مستشفى العباسية وقدمت شهادة منذ عشرين عاماً. ثم قالت إنه مبتز ويريد أكثر من حقه بعشرين رغيفا، أو بالمناسبة أعلن الدكتور المصيلحى أن الدعم للعيش 17 مليار جنيه وأن حصول عبده على عشرين رغيفا زيادة يهدم منظومة الدعم العيشوية. تفسيرات المصيلحى العيشوية لم تصمد بعد محاولات أخرى من مواطنين لحرق أنفسهم أمام مجلس الشعب، حاول محام فقالوا إن عنده مشكلة أسرية، وفى الإسكندرية أحرق أحمد هاشم نفسه ونجحت محاولته فسارعت أجهزة الحكومة لتقديم مسوغات انتحار المواطن ونسبت لأهله قولهم بأنه كان مريضا نفسيا هو الآخر، مع أنه كان عاطلاً ومحبطاً ومتضايقاً. .. وزير الصحة زار المواطن فى المستشفى، وخرج المتحدث الرسمى لرئيس الوزراء ليعلن أن رئيس الوزراء بنفسه يهتم بالمواطن، وكلف رئيس مجلس الشعب الدكتور سرور لجنة الاقتراحات والشكاوى بالتحقيق، وخرجوا جميعاً ليعلنوا أن المواطن حاول الانتحار بسبب العيش، وعند سؤال وزير المالية الدكتور يوسف بطرس غالى عن أى إجراءات لمواجهة حالات الانتحار قال وبراءة الوزراء فى عينيه «ندعم اللى بيولعوا فى نفسهم يعنى؟»، غالى يرى أن المقارنة بين مصر وتونس مجرد «تهيؤات» فنحن مجتمع مفتوح عندنا حرية رأى، وربما كان غالى يعتبر تعدد المنتحرين ضمن حرية الرأى والتعبير. الكلام الفارغ والمليان وزير الخارجية أحمد أبوالغيط أمام القمة الاقتصادية فى شرم الشيخ وجد نفسه مضطرا للإجابة عن سؤال حول المخاوف من انتقال العدوى التونسيّة إلى مصر أو دول عربية أخرى، فقال بوضوح: هذه التصورات «كلام فارغ»، وجهة نظر أبو الغيط حول «الكلام الفارغ»، تتماشى مع نظرية التهيؤات لصاحبها الدكتور غالى أو تصريحات المصيلحى عن السبعتاشر مليار.. ولا مجال للمقارنة ولا للقلق. انتحار المواطنين تزامن مع مظاهرات موظفى التعليم بديوان الوزارة اعتراضاً على نقص مكافآتهم، مدير مكتب وزير التعليم وصف المظاهرات ب«الدلع» وعندما كاد دلعهم ينقلب إلى جد اضطر مدير أمن القاهرة لأن ينزل لهم ويتفاوض معهم، وتزامن ذلك مع وقفات عمالية أمام وزارات البترول والنقل والقوى. مؤشرات الانتحار والاقتصاد الحكومة أخرجت من أكياسها تصريحات عن المؤشرات الاقتصادية وكيفية عبور الأزمة الاقتصادية، ونسبة النمو التى تتجاوز السبعة فى المية وتدخل فى الثمانية، كل هذا يبعد أى مقارنة مع تونس، ثم أن الأسعار عندنا لا ترتفع والفضل للدعم مع أن نفس الحكومة كانت تتناقش فى مجلس الشعب مع السيد أحمد عز عن أفضل الطرق لإلغاء أو إنهاء الدعم الذى لايصل لمستحقيه، وهى مناقشة انتهت عقب أحداث تونس. الحكومة لا ترى فى المنتحرين أى تشابه مع انتحار التونسى بوعزيزى الذى كان محركاً لثورة بينما يتساقط المنتحرون عندنا بالخمسات والعشرات والحكومة لا تراهم، أو تعمل نفسها لا تراهم، وقد أصبحت محاولات الانتحار حرقاً عدوى ونوعا من الطقس اليومى، والحكومة كالعادة مع أى أزمة تتجاهلها، ثم تقلل منها ثم تحولها إلى حاجة تانية، وتعاملت مع المنتحرين على أنهم يعبرون عن آرائهم بكل حرية. محاولات الانتحار المتكررة، جاءت وسط شعور من حكومة الدكتور نظيف بأنها أدت ما عليها ولا مانع من أن يعيد الدكتور نظيف ومعه أحمد عز خطاباتهم عن تضاعف أعداد السيارات والموبايلات مع المواطنين، مع معايرتهم بنسبة النمو والمؤشرات الاقتصادية، والتأكيد على الاهتمام الفائق بمحدودى الدخل، حتى ولو أصبحوا من محروقى الدخل، وربما يطالب مجلس الشعب وزارة الصحة بإقامة محرقة طبية مزودة بأجهزة الإطفاء والمراهم لزوم إتاحة الفرصة أمام المواطنين للتعبير عن رأيهم بالانتحار حرقاً أو شنقاً. التنكيت والتويترات وإذا كان رد الفعل الحكومة والزعماء العرب جادا يميل إلى الفكاهة، والتسلية فإن رد فعل المعارضة والنشطاء تركز أغلبه فى السخرية والتنكيت وتحويل أحداث تونس والانتحار إلى «إفيهات»، أضيفت إلى إفيهات الحكومة فى تحويل الأمر كله إلى كوميديا. عندما وقعت أحداث تونس كما هى العادة تحولت الصور البروفايل كلها إلى أعلام تونس أو البوعزيزى المحترق مع ما تيسر من نكات على هروب بن على ونعته بأنه «زين الهاربين بن هرب»، مع ما تيسر من تنكيت على الشعب المصرى وخنوعه كل هذا من وراء الكيبوردات. مع ما تيسر من نكات عن السياسة والحكام العرب. أما المعارضة الرسمية وشبه الرسمية، فقد تعاملت كما هو متوقع بالبيانات الحماسية عن شعب تونس والانتصار على الطغيان، من خلف الغرف المغلقة أو بالتليفونات. ولم تكذب المعارضة نصف الرسمية خبرا، وسارعت بإشعال الفضائيات بالتحاليل عن المارد الذى خرج ودق المسمار الأخير فى نعش الانظمة الاستبدادية كل واحد باسمه. ومثلما كانت تونس أصبحت قضية المنتحرين موضوعا للتبادل النكات والإفيهات عن دعم البنزين. ولم تميز التعليقات بين الجد والهزار ولا بين النقد والإحباط وبدا بعضها مسيئا للشعبين المصرى والتونسى أحيانا، وإن كان بدون قصد، ومن أشهر الإفيهات التى أطلقها سكان الفيس بوك «تونس اختارت التغيير ومصر اختارت شيبسى بالجمبرى».. أو يعنى إيه زيرو كولا؟ يعنى البرادعى يطالب بالتغيير فى مصر، الشعب يستجيب فى تونس... الفرق بين الشعب المصرى والتونسى إن الشعب التونسى تقول له ثور فيثور، والشعب المصرى تقول له ثور يقول احلبوه. مثل السخرية من شعار الشابى إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر، الذى حولته النكات إلى «إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب البقر» أو «الشعب التونسى أراد الحياة فاستجاب القدر... الشعب المصرى أراد «الحياة» لقاها على تردد 11255 أفقى، الحكومة تنفى حدوث ثورة فى تونس وتبرر هروب الرئيس التونسى بأنه ماس كهربائى والطبيب الشرعى يؤكد أن الشعب التونسى ابتلع لفافة بانجو. وقد حرصت الحكومة على إطلاق خطباء المساجد فى خطبة الجمعة الموحدة التى أكد فيها الخطباء أن الحالة الاقتصادية ليست مبررا لقتل النفس.. وحرصوا على «تحريم الانتحار»، والموقف الشرعى لقتل النفس الإنسانية، فى ظل تزايد أعداد المنتحرين، وإن كان بعض الخطباء فى مساجد الإسكندرية تحدثوا عن فساد المسؤولين الذى جعل الشعب يلجأ إلى محاولات الانتحار بطريقة علنية للتعبير بها. واعتبر الإخوان أن الانتحار حرقا غير جائز شرعا مهما كانت الأسباب. واتفق الإخوان مع الجماعة الإسلامية فى اعتبار الانتحار غير جائز شرعا. وأصدر مجمع البحوث الإسلامية بيانا أكد فيه أن الانتحار «حرام شرعا» حتى لو كان نوعا من «الاحتجاج».. ويبدو أنهم رأوا أن الأمر لا يستقيم فوجهوا نداء إلى الحكام العرب يطالبونهم فيه بالقضاء على البطالة وتوفير «العيش الكريم» لشعوبهم.. كانت الخطب الرسمية تحرم الانتحار، مع السماح بمساحة لإدانة الظروف الاقتصادية دون هجوم صريح على الفساد والمفسدين. أما الدكتور محمد البرادعى فقد أعلن رأيه كما هى العادة من خلال موقع «تويتر» الاجتماعى وقال فى تدوينة إلكترونية: «إن الشعب التونسى أضاء للمصريين طريق التغيير الذى تفرضه الإرادة القوية». وقال: «إن سلب حريات الشعوب وغياب العدالة الاجتماعية وانعدام سبل التغيير السلمى يؤدى إلى ما نراه الآن«.. وأعاد دعوته المصريين للتوقيع على مطالب التغيير السبعة لجمعية التغيير. كل هذا من الخارج.. لم يعد أحد يهتم بما يجرى فى تونس، بقدر الاهتمام بالتنكيت على عربات الخضار، ومهنة الكوافيرة التى كانت تمتهنها ليلى طرابلسى زوجة بن على قبل خلعه. وتحول الأمر عند الحكومة إلى جد ينقلب إلى هزار، وعند المعارضة والفيس بوك هزار فى هزار. كل ما يجب أن نطلع بيه من درس تونس أننا لسنا تونس ولا موريتانيا، ووزراؤنا ليسوا مثل وزراء تونس، ولا أحوالنا مثل أحوال تونس، ولا منتحرونا مثل منتحرى تونس، فهم عند الحكومة مبتزون يهددون الدعم والسلم الاجتماعى، وعند المعارضة موضوع للتنكيت والبيانات.