«ريحة شياط»، هذه هى الرائحة المسيطرة على مصر حاليا، لدرجة أنك لو حاولت أن تقف فى أى مكان لتعقب الرائحة لن تفلح، فهى تملأ الجو بحيث يصعب تحديد مكانها، فبخلاف طوابير المنتحرين حرقا نحن نعيش فى جو يحرق الدم، سواء حرق الدم القادم من أعلى دائما أو حرق الدم من زملائنا المحروق دمهم دون أن يعترضوا على هذا الحرق. لماذا قرر المصريون أن يكرروا تجربة الحرق التونسية دون أن أن يقوموا بالثورة، رغم أن الحرق ليس هدفا فى حد ذاته؟ هل نحن شعب يحفظ ولا يفهم؟ هل يمكننى أن أسألك مجموعة من الأسئلة التى تحرق الدم: لماذا لا تنتهى كل أعوامنا المسرطنة المليئة بالفساد والفقر والمرض والجهل والاستبداد والقتل والتعذيب والتزوير والبلطجة والسرقة والرشوة والخراب والتدمير والتزوير والتحرش والاغتصاب والحوادث والجوع والعرى والاحتكار وتأجيج الفتنة وإغراق العبارات والاستيلاء على أراضى الشعب وبيع ممتلكاته والحط من قدر مصر بين الدول وبيع خيراتنا للإسرائيليين ووضع رؤوسنا فى التراب حتى تخطو عليها أمريكا وإسرائيل ومن يرغب فى أن يدوس عليها؟ هل يمكننى أن أسألك سؤالا آخر يحرق الدم أيضا: لماذا نجح التونسيون فى ثورتهم حين حرق أحدهم نفسه، ولم يفكر المصريون فى أى ثورة رغم أن نسبة كبيرة من استهلاك البترول لدينا تذهب على الانتحارات. آخر سؤال: من وجهة نظرك ما هى الإجابة على كل الأسئلة التى نسألها لأنفسنا منذ 30 عاما، عن التغيير والتحرك الشعبى ومن يخلف الرئيس، وكيف نحقق ما نريد، وهل هناك من يستطيع حكم مصر. الإجابة وفقا للتجربة التونسية ليست تنظيرا، ولا نضالا افتراضيا على صفحات الفيس بوك والتويتر، ولايك هنا وكومنت هناك، وليست وقفة هادئة بالشموع توفيرا للطاقة الكهربائية، ولا سبعة هتيفة أمام حزب التجمع يحاصرهم 10 آلاف عسكرى أمن مركزى، الإجابة قصيرة ومختصرة وواضحة ومفيدة كما كان مدرسو الثانوية العامة ينصحوننا حتى نحصل على الدرجة النهائية. الشارع، هذه الكلمة ترعب أى نظام ديكتاتورى فى العالم، بمجرد نزول الغاضبين إلى الشوارع تصطك أسنان الطغاة من الخوف، ويدركون أن نهايتهم قد اقتربت، وكما يفعل أى لص تم ضبطه فى شقة كان يسرقها، يترك كل شىء وراءه ويجمع ما خف وزنه وغلا ثمنه، ثم يهرب بجلده، لأنه يدرك فداحة ما ارتكبه، ويعلم أن عقاب الشعوب أشد من أن يحتمله. الدرس لم ينته، ومازال أمام المصريين فرصة قوية للنجاة، حكومة وشعبا، فمطالب المصريين ليست عسيرة ولا بعيدة المنال، مازالت هناك فسحة من الوقت قبل الاختبار للمراجعة النهائية، فحين يدق الجرس وتبدأ اللجنة سينتهى وقت التراجع ليأتى وقت الحساب.