فالكون 50.. هذا ما نعرفه عن طائرة الحداد المنكوبة    كوت ديفوار تستهل رحلة الدفاع عن لقب أمم أفريقيا بمواجهة موزمبيق    اليوم.. نظر محاكمة 53 متهمًا فى قضية "خلية القطامية"    بهدف تعطيل المرحلة الثانية…بدء الإعمار داخل الخط الأصفر ورقة ضغط صهيونية على حركة حماس    انخفاض مؤقت وسريع في سعر الطماطم.. الحق اشتري    الليلة تدق الأجراس، قصة الاحتفال بعيد ميلاد المسيح ومتى احتفل به لأول مرة؟    مصرع 2 وإصابة 6 آخرين فى حادث سير ببنى سويف    سقوط الغرب وصعود الشرق، تنبؤات نوستراداموس لعام 2026 بعد فك شيفرة "السرب العظيم من النحل"    طقس اليوم: مائل للدفء نهارا شديد البرودة ليلا.. والكبرى بالقاهرة 21    الصين وروسيا تتهمان الولايات المتحدة بممارسة التنمر وسلوك رعاة البقر ضد فنزويلا    زفاف جيجي حديد وبرادلي كوبر في 2026    تنسيق مصري إماراتي لإطلاق برامج شبابية مشتركة وماراثون زايد الخيري في مصر    8.46 مليار مشاهدة في أسبوع، رقم قياسي جديد لمسلسل Stranger Things 5    بعد زحام الركاب، بيان هام من هيئة سكك حديد مصر بشأن منظومة حجز تذاكر القطارات    شقيقة ميسي تتعرض لحادث سير خطير في الولايات المتحدة    أمريكا تحظر دخول 5 أشخاص بينهم قيادات ألمانية لمكافحة الإساءة عبر الإنترنت    اليوم، نظر استئناف النيابة على براءة سوزي الأردنية من التعدي على القيم الأسرية    التعليم العالي: نعمل مع اليونسكو للاعتراف المتبادل بالشهادات المصرية دوليًا    «شباب بلد» بوابة جديدة لتمكين الشباب المصري بالتعاون مع الأمم المتحدة    قناة ON تستعد لعرض مسلسل «قسمة العدل»    كنت شاهدا، سام مرسي يرد على تقرير مثير ل "ذا أتليتيك" حول تحكم صلاح في منتخب مصر    كفتة العدس بالشوفان في الفرن، بروتين نباتي صحي بدون دهون    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 24 ديسمبر    عودة مسرحية "نور فى عالم البحور" إلى خشبة المسرح القومي للأطفال    بطولة ياسمين رئيس وأحمد فهمي.. نهى صالح تنضم لمسلسل «اسأل روحك»    يعرض 7 يناير.. نيللى كريم وشريف سلامة يتصدران بوستر «جوازة ولا جنازة»    إيران تنتقد الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة لعدم التزامهم بالاتفاق النووي    تركيا: طائرة «الحداد» طلبت هبوطًا اضطراريًا بسبب عطل كهربائي    فيديو | «ربنا كتبلي عمر جديد».. ناجية من عقار إمبابة المنهار تروي لحظات الرعب    الصحة: نجاح عملية استبدال صمام قلب لمسن فوق 90 عاما بمبرة مصر القديمة    ب"احتفالية ومعرض".. تعليم الأقصر تحيي فعاليات اليوم العالمي لذوي الهمم| صور    وزير التعليم: البكالوريا شبيهة بالنظم العالمية.. وستقلل من الدروس الخصوصية    أخبار × 24 ساعة.. بعثة صندوق النقد: الاقتصاد المصرى حقق مؤشرات نمو قوية    فنزويلا: مشروع قانون يجرم مصادرة ناقلات النفط    حسين الشحات يتحدث بعد ارتداء شارة قيادة الأهلي لأول مرة    موعد مباريات اليوم الأربعاء 24 ديسمبر 2025.. إنفوجراف    بمساحة 177 فدانًا.. الزمالك يحصل على أرض بديلة قرب القرية الذكية    ويتكر: المفاوضات حول أوكرانيا تبحث أربع وثائق ختامية رئيسية    الجيش الأردني يخوض اشتباكات مع عصابات تهريب على الحدود السورية    رئيس شعبة المصورين: ما حدث في جنازة سمية الألفي إساءة إنسانية    البياضية والزينية تتألقان باحتفالين جماهيريين في عيد الأقصر القومي (صور)    إغلاق الأسهم الأمريكية عند مستوى قياسي جديد    د. القس رفعت فتحي يكتب: المسيحية الصهيونية.. موقف الكنيسة المشيخية    فايزر تحقق في حادث خلال تجربة علاج جديد لمرضى سيولة الدم    بشرى ل 7 محافظات، الصحة تحدد موعد التشغيل التجريبي للمرحلة الثانية من التأمين الصحي الشامل    تفاصيل فوز مصر بمعقد في الجمعية العامة للمنظمة البحرية الدولية.. فيديو    وزارة العمل: قانون العمل الجديد يضمن حقوق العمال حتى بعد الإغلاق أو التصفية    دفنوه في أحضان أمه، أهالي معصرة صاوي بالفيوم يشيعون جثمان الضحية الثامنة لحادث الطريق الإقليمي    خالد مرتجي: نبحث تطوير كرة القدم داخل الملعب وخارجه    أبرز تصريحات وزير التعليم عن اهتمام القيادة السياسية بالملف التعليمي    "الوطنية للانتخابات": بدء تصويت المصريين بالخارج بجولة الإعادة في 19 دائرة انتخابية    هل يجوز قضاء الصلوات الفائتة بأكثر من يوم باليوم الواحد؟.. أمين الفتوى يجيب    هل أكل لحم الإبل ينقض الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    "القومي للبحوث" يحصد المركز الأول فى مؤشر سيماجو للمراكز والمعاهد البحثية 2025    نحو منظومة صحية آمنة.. "اعتماد الرقابة الصحية" تُقر معايير وطنية لبنوك الدم    ما هو مقام المراقبة؟.. خالد الجندي يشرح طريق السالكين إلى الله    البحوث الفلكية تكشف موعد ميلاد شهر شعبان وأول أيامه فلكيا    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كارو البوعزيزى
نشر في اليوم السابع يوم 19 - 01 - 2011

لم يكن أشد المتفائلين يتوقع سيناريو الأحداث الأخيرة بتونس الشقيقة، فأكثر الناس جنوناً توقعوا تسبب الاحتجاجات فى إسقاط الحكومة، وذلك برضا الرئيس زين العابدين بن على بالطبع، ولكن المفاجئ أن التظاهرات التى اندلعت بطول تونس وعرضها أسفرت عن هروب لا تنحى أو استقالة بن على، لتثبت تونس أن التاريخ يعيد نفسه وأن من يقرأه حق القراءة يمكنه أن يعلم الحاضر، بل ويستشف المستقبل، فالتغيير الحقيقى لا يأتى إلا من الشارع.
ولكن من أين بدأت الحكاية، فلكل ثورة حكاية ولكل طغيان بداية نهاية، فلعل صفعة الطاغية رضا بهلوى الشهيرة للخومينى قد أشعلت الثورة والاحتجاج فى قلب الخومينى، فقاد هو الثورة بعدها ببضع سنين، ولكن من تلقى الصفعة فى تونس؟
الوضع فى تونس، يبدو عكسياً فالصفعة تلقاها شاب عاطل مقهور يدعى محمد البوعزيزى صاحب الكارو الشهير، الذى استكثر عليه موظفى بلدية سيدى بوزيد الكارو الخاص به الذى يقتات به قوت يومه فصادروه بل وأهانوه، فأحرق نفسه وأشعل البلاد.
لعل تلك الحادثة تمر مرور الكرام فى بلد آخر، لعلها تكون مسار حديث الناس فى المكاتب والمواصلات منتظرين من يأتى عليه الدور، لعلها تكون أساس الحسبنة الشهيرة والدعوات المريرة، ولكن الشعب التونسى كان له رأى آخر، لعل ذلك الرأى القوى العنيف كان خلف كارو البوعزيزى والحكومة لا تدرى.
الحادثة التى تماثل حوادث انتهاك عادية تحدث فى عديد البلاد العربية وتمر مرور الكرام، ومن كثرة الأمثلة أتركها لكم لتستحضروها بأنفسكم، أشعلت تونس الخضراء لتتحول إلى كرات حمراء فى وجه النظام الذى كبس على أنفاس التوانسة لعقدين وثلاث سنوات.
الشباب التونسى انطلق إلى الشارع محتجاً، لا شاجباً ولا مستنكراً، انطلق إلى الشارع بهدف محاسبة المجرم الذى أفضى بشاب إلى حرق نفسه، فانتهى إلى محاسبة نظام كامل وسقوطه بل وفراره.
الشعب التونسى وخلال شهر كامل ظل يتظاهر ويحتج فى الشارع - الشارع الذى يعد أبو الثورات وموطن التغيير – غير آبه بالرصاص الحى الذى أطلقته الشرطة على المتظاهرين وكأنهم أعداء الوطن.
سقط 100 شهيد تونسى ليسقط النظام، وهو ثمن غالٍ بكل تأكيد ولكن كم كانوا سيسقطون من عينة البوعزيزى لو ظل النظام.
100 شهيد يمكنهم أن يسقطوا نظام ظل عشرين عاماً، 100 شهيد من عمر النظام ولدوا فقراء وعاشوا عاطلين، ولدوا مقهورين وورحلوا مقتولين شهداء من اجل بلادهم من اجل أن يرحل الطغيان.
والقارئ للتاريخ يدرك أن الثورات الكبرى لا تحدث الا من الشارع، فالثورة البلشفية مثلا نجحت لأن قوات القيصر نيقولا الثانى فشلت فى السيطرة على عشرات الملايين من أنصار لينين الذين اكتظت بهم الشوارع، وتقول المراسلات أن وزيرة داخلية القيصر أكد استحالة إيقاف جموع الشعب حتى أن رصاص الشرطة قد ينفد قبل القضاء على كل تلك الملايين المملينة.
والتاريخ أيضا يقول إنه لا ثورة حصلت بطريقة الهوم ديليفرىHome delivery ، فلا ثورات تحدث دون أن يتحرك الناس ودون أن تستثار هممهم وغضبهم، فلا احد ينتظر تغيير دون أن يغير من نفسه، فكلمات المولى عز وجل جاءت قاطعة (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) الرعد:11.
فالتغيير جاء فى رومانيا على جثث 400 شهيد قدمتهم البلد الأوربى الشرقى ثمن سقوط نظام تشاوشيسكو البوليسى الغاشم الذى لم يتوقع أحد على الإطلاق سقوطه، وجاء فى يوغسلافيا، لأن الشعب بات فى الشارع 39 يوماً فى عز البرد، حينها رحل تشاوشيسكو مقتولاً فى أحد الشوارع الجانبية ببودابست، بينما رحل زين العابدين فاراً هارباً عبر طائرته لا يجد من يستضيفه، إلا حان الوقت للاستماع إلى قول الحق بأن العدل أساس الملك.
ثمن التغيير غالٍ ويحتاج إلى تضحية، وهو ما رأيناه بأم أعيننا وعلى الهواء مباشرة، وهى إضافة جديدة لعصر العولمة الذى نحياه، فبعدما رأينا حروبا على الهواء مباشرة ابتداء من حرب الخليج الثانية وانفراد الCNN بتغطيتها مرورا بالقصف الجوى على يوغوسلافيا السابقة فى مارس 1999 ووصولاً إلى غزو العراق 2003 وحرب غزة 2008 ها نحن وصلنا لعصر الثورات الشعبية التى نراها على الهواء مباشرة، وهو ما يعطى تأثيراً مباشراً على عقول المتلقى يفوق تأثير القراءة أو الاستماع، فلقد رأت الشعوب العربية تجربة حية مباشرة لسقوط نظام بوليسى منيع بداية من فقرة التعبير حتى فقرة المحفوظات والأدب الثورى.
أما فقرة الدروس المستفادة فيمكن إيجازها من وجهة نظرى فى نقاط سريعة:
1- إنه مهما وصلت القوة والطغيان بأى نظام فهى قوة هشة مطاطة يسهل اختراقها بسهولة وأن اشتداد الظلم والطغيان ما هو إلا علامة على سرعة النهاية، فالسفير الأمريكى بطهران أبرق مخاطباً الخارجية الأمريكية عشية ثورة 1979، قائلاً: "إن النظام الإيرانى باقٍِ ومن الصعب الإطاحة به قبل عقد كامل" وسقط النظام فى اليوم التالى.
2- إن الاستهانة بقوة الشعوب والاستخفاف بعقولها لها نتيجة واحدة، ألا وهى سقوط الأنظمة نفسها، فالشعوب تبقى والأنظمة راحلة.
3- إن متلازمة الثروة والسلطة لها نتيجة واحدة حتمية، وهى الفساد.
4- إن الولايات المتحدة الأمريكية لن تحمى أحداً أبداً.
5- إن فرحة الشعوب العربية لا تدل إلا على بلاهة تلك الشعوب وتخلفها.
6- التغيير لا يأتى إلا من الشارع.
فى النهاية، ما حدث فى تونس، مع وجود احتجاجات أخرى قوية فى العالم العربى، يجعلنى على الفور أتذكر نظرية الدومينو الشهيرة التى درستها، والتى تفسر أن سقوط نظام واحد من عقد أنظمة متعددة متشابكة المصالح فى منطقة واحدة كفيل بسقوطهم جميعاً، جميعاً.
تحية للبوعزيزى الذى دفع حياته ثمناً لحرية بلاده، وتحية للكارو الخاص به الذى أسقط نظاماً بوليسياً مدججاً بالسلاح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.