ما حدث فى تونس فى خلال الأسبوع المنقضى انتهاءً بيوم الجمعة الموافق 14 يناير يستحق منا وقفة للإعجاب وللتأمل وأيضا للمقارنة.. فتظاهر الشعب التونسى الذى لا يتجاوز عدد سكانه العشرة ملايين مواطن ضد موجة الغلاء التى ضربت البلاد عندهم لتختتم مجموعة من القرارت التعسفية التى اتخذتها الحكومة عندهم من تقييد للحريات وحرية التعبير. وعلى الرغم من أن تونس قد احتلت مكانة اقتصادية متقدمة إلى حد ما إفريقيا فى عهد حكم الرئيس التونسى زين العابدين بن على إلا أن تظاهر الشعب لا يدل إلا على أن النمو الاقتصادى يصبح عديم الفائدة إذا لم يقترن بتقدم ملموس فى مناحٍ أخرى كالتعليم والأسعار وقبلهما الأمن والأمان. فالسلطة فى تونس كانت تقبض على الشعب بيد من حديد طوال فترة حكم "بن على" وهذه اليد يمثلها وبمنتهى الاقتدار وزارة الداخلية متخذة من الاعتقال والتعذيب والتجريد من أبسط وأسمى آيات الحرية أسلوب حياة - للدرجة التى جعلتهم يقومون بمنع الدخول على موقع اليوتيوب على سبيل المثال لا الحصر تخيلوا - ظنا منهم أنهم بهذا الأسلوب يضمنون الولاء التام للرئيس التونسى وأسرته والبقاء حتى آخر العمر متناسين أبسط قواعد الذكاء الديكتاتورى فى التعامل مع الناس والتى تقول إن ترك بعض الحرية للشعوب يتيح للسلطة مزيد التحكم فيهم والسيطرة عليهم لا أن يغلق الباب تماما أمام حرياتهم بل والضغط عليهم من الناحية الأخرى فكان لزاما على الناس الثورة والتظاهر وفى نفس الوقت تناسوا أن للشعب إرادة لو قررت أن تقول كلمتها فى أى وقت لن يفلح معها أى محاولات من أى قوة على الأرض لإثنائها عن قرارها. ما حدث فى تونس درس لأكثر من جهة فى أكثر من مكان: 1 - الكلمة الأولى والأخيرة فى أى دولة هى كلمة الشعب الذى لو تكلم لما استطاع أحد أن يخرسه أبدا لكن المشكلة أن يعى الشعب نفسه هذه الحقيقة، فوقت ما يفهمها تتغير أمور كثيرة. 2- التعامل بذكاء مع الناس وعدم التقليل من شأنهم وردود أفعالهم والذى للأسف يغيب عن كثير من الحكام الذين يعتقدون للحظة أن الشعوب خانعة ومستكينة وتكون هذه بداية الانهيار. 3- الاعتماد فى رصد ردود أفعال الشارع تجاه أى قرار يعتزم الحاكم اتخاذه على مجموعة من المستشارين المقربين منه الذين لا يهم سوى مصلحتهم الشخصية ولأنهم أيضا بدورهم بعيدون عن نبض الشاعر الحقيقى - راجع خطاب الرئيس بن على قبل مغادرته بلاده - فمعرفة الناس لا يمكن أن يأتى من خلال وسيط بل مباشرة. 4- الدرس الأخير وربما الأهم هو الأمل فى أن هناك دوما فرصة.. هناك فرصة لأى شعب ليغير اتجاه قدره بيده دون مساعدة من أحد فقط إن أراد.. وهناك فرصة لأى حاكم أو نظام أن يعيد ترتيب أوراقه وأسلوبه مع محكوميه قبل لحظة يتسحيل معها التراجع.