منى أحمد تكتب: سيناء.. أرض التضحيات    هتتغير أمتي.. موعد التوقيت الصيفي 2023 في مصر    التموين تكشف امتلاك مصر احتياطي استراتيجي من السلع حتى 6 أشهر (فيديو)    منسق "مقاطعة تناول الأسماك": 12 محافظة انضموا إلى الحملة بسبب غلاء الأسعار    أمير الشرقية يرعى تخرج الدفعة 45 من طلبة جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل    ما أهمية بيت حانون وما دلالة استمرار عمليات جيش الاحتلال فيها؟.. فيديو    جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد سقوط تشيلسي أمام آرسنال بخماسية    عاجل.. تشافي على بعد خطوة واحدة من تمديد عقده مع برشلونة    صلاح يفاجئ الجميع بطلب غير متوقع قبل الرحيل عن ليفربول.. هل يتحقق؟    أقوال أسرة طفلة لقيت مصرعها إثر سقوطها من علو في أكتوبر: كانت تلعب    ضبط طن وربع رنجة غير صالحة للاستخدام الآدمي في الغربية    تعرف على طرق وكيفية التسجيل في كنترول الثانوية العامة 2024 بالكويت    تفاصيل.. دياب يكشف عن مشاركته في السرب    عاجل: الإفتاء توضح حكم الاحتفال بشم النسيم لعام 2024    "تنشيط السياحة" توضح أسباب إلغاء حفل "كاني ويست" في منطقة الأهرامات    مع اقتراب عيد تحرير سيناء.. أماكن لا تفوتك زيارتها في أرض الفيروز    وزيرة الثقافة ومحافظ شمال سيناء يشهدان احتفالية تحرير أرض الفيروز بقصر ثقافة العريش    نائب سفير ألمانيا بالقاهرة يؤكد اهتمام بلاده بدعم السياحة في أسوان    كفر الشيخ الخامسة على مستوى الجمهورية في تقييم القوافل العلاجية ضمن حياة كريمة    مدرب جيرونا يقترب من قيادة «عملاق إنجلترا»    غياب نجم ليفربول لمدة أسبوعين بسبب الإصابة    "سياحة النواب" تصدر روشتة علاجية للقضاء على سماسرة الحج والعمرة    أمين الفتوى: "اللى يزوغ من الشغل" لا بركة فى ماله    دعوة أربعين غريبًا مستجابة.. تعرف على حقيقة المقولة المنتشرة بين الناس    اتصالات النواب: تشكيل لجان مع المحليات لتحسين كفاءة الخدمات    جامعة المنوفية توقع بروتوكول تعاون مع الهيئة القومية للاعتماد والرقابة الصحية    عادات خاطئة في الموجة الحارة.. احذرها لتجنب مخاطرها    وداعًا حر الصيف..طريقة عمل آيس كريم البرتقال سهل وسريع بأبسط المقادير    الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضيه    دياب يكشف عن شخصيته بفيلم السرب»    «قضايا الدولة» تشارك في مؤتمر الذكاء الاصطناعي بالعاصمة الإدارية    مقتل وإصابة 8 مواطنين في غارة إسرائيلية على منزل ببلدة حانين جنوب لبنان    «بروميتيون تاير إيجيبت» راعٍ جديد للنادي الأهلي لمدة ثلاث سنوات    يد – الزمالك يفوز على الأبيار الجزائري ويتأهل لنصف نهائي كأس الكؤوس    عمال سوريا: 25 شركة خرجت من سوق العمل بسبب الإرهاب والدمار    أبو عبيدة: الرد الإيراني على إسرائيل وضع قواعد جديدة ورسخ معادلات مهمة    «التعليم العالي» تغلق كيانًا وهميًا بمنطقة المهندسين في الجيزة    بائع خضار يقتل زميله بسبب الخلاف على مكان البيع في سوق شبين القناطر    إنفوجراف.. مراحل استرداد سيناء    القومي للكبد: الفيروسات المعوية متحورة وتصيب أكثر من مليار نسمة عالميا سنويا (فيديو)    اللعبة الاخيرة.. مصرع طفلة سقطت من الطابق الرابع في أكتوبر    السياحة: زيادة أعداد السائحين الصينيين في 2023 بنسبة 254% مقارنة ب2022    11 معلومة مهمة من التعليم للطلاب بشأن اختبار "TOFAS".. اعرف التفاصيل    محافظ كفرالشيخ يتفقد أعمال التطوير بإدارات الديوان العام    مجلس الوزراء: الأحد والإثنين 5 و6 مايو إجازة رسمية بمناسبة عيدي العمال وشم النسيم    غدا.. اجتماع مشترك بين نقابة الصحفيين والمهن التمثيلية    عضو ب«التحالف الوطني»: 167 قاطرة محملة بأكثر 2985 طن مساعدات لدعم الفلسطينيين    إحالة شخصين للجنايات بتهمة الشروع في قتل شاب وسرقة سيارته بالسلام    خلال الاستعدادات لعرض عسكري.. مقتل 10 أشخاص جراء اصطدام مروحيتين ماليزيتين| فيديو    وزير الأوقاف من الرياض: نرفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته    محافظ قنا يستقبل 14 مواطنا من ذوي الهمم لتسليمهم أطراف صناعية    عربية النواب: اكتشاف مقابر جماعية بغزة وصمة عار على جبين المجتمع الدولى    رسميا .. 4 أيام إجازة للموظفين| تعرف عليها    منها الطماطم والفلفل.. تأثير درجات الحرارة على ارتفاع أسعار الخضروات    افتتاح الملتقى العلمي الثاني حول العلوم التطبيقية الحديثة ودورها في التنمية    بدأ جولته بلقاء محافظ شمال سيناء.. وزير الرياضة: الدولة مهتمة بالاستثمار في الشباب    الإفتاء: لا يحق للزوج أو الزوجة التفتيش فى الموبايل الخاص    دعاء في جوف الليل: اللهم اجمع على الهدى أمرنا وألّف بين قلوبنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شتاء الديكتاتور الأخير فى تونس
نشر في اليوم السابع يوم 14 - 01 - 2011

خطاب اللحظة الأخيرة كشف كيف يتحول التسلط إلى سلحفاة ذات صدفة صلبة تموت إذا انقلبت على ظهرها
عند سقوط أى ديكتاتور يتداعى إلى الأذهان فورا مشاهد مكررة، الديكتاتور لايصدق إمكانية خلعه، مع أنه يجىء عادة على أنقاض ديكتاتور آخر، حيث يتصور الديكتاتور أن الأمور تحت السيطرة لمجرد أنه يتلقى تقارير من أجهزة الأمن بأن الأمور على مايرام.
وفى حالة زين العابدين بن على الرئيس التونسى المخلوع كان يفرض على الشعب التونسى حكما بوليسيا أمنيا، طوال 23 عاما منذ انقلابه غير الدموى على حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة الذى ظل يحكم تونس منذ استقلالها، وظل متمسكا بالحكم بالرغم من فقدانه السيطرة على حكمه أو على وظائفه الحيوية.
طوال 23 سنة، ظل بن على يفرض قبضته ويواصل هو وحزبه الحاكم الترشح والفوز فى كل انتخابات رئاسية بلا منافس، انتقل من الكهولة إلى الشيخوخة، ومع هذا ظل يقنع نفسه أنه يسيطر على زمام الأمور، فرض قبضة أمنية وبوليسية تمنع التنفس عن المواطن التونسى، وتحلقت حول سلطته مصالح المستفيدين الذين يجنون ثمار الاقتصاد النامى وحدهم، مستبعدين الشعب من المعادلة، وبالرغم من أن بن على تسلم تونس وهى تعانى أزمة اقتصادية، وأنه نجح فى تنشيط الاقتصاد، فقد صنع حكما ديكتاتوريا تستفيد منه طغاة رجال أعمال وأقارب يسيطرون على كل المجالات.
انفتح بن على على الغرب، واستخدم أجهزة الدعاية لتحسين صورته فى الغرب، وظل لفترة طويلة يحظى بتأييد غربى، ويشوش على المعارضين وأصوات المواطنين، ليمنع تغيير صورته أمام العالم، لكنه عجز عن إخفاء الصورة طوال السنوات العشر الأخيرة من حكمه الممتد.
بدأ الرئيس بن على، حكمه، بفتح قصر قرطاج للأحزاب والمثقفين من غير المُنتمين للحزب الدستورى الحاكم، لكن بقى الحزب، الذى ظل يسيطر على الأمور السياسية وينجح فى كل الانتخابات البرلمانية والتشريعية.
الحزب هو الذى قاد البلاد إلى الاستقلال وتمكن من الوصول إلى السلطة عام 1956 وأعلن النظام الجمهورى فى 25 يوليو 1957، وتحول اسمه فى أكتوبر 1964 إلى الحزب الاشتراكى الدستورى، ثم تحول ثانية إلى اسمه الحالى التجمع الدستورى الديمقراطى فى 27 فبراير 1988، وقد ظل الحزب الحاكم طوال فترة بورقيبة وبن على يفوز بكل مقاعد مجلس النواب فى انتخابات سنة 1989 و80.48% من الأصوات، وفى سنوات 1994 و1999 و2004 فاز بكل المقاعد غير المخصصة لأحزاب المعارضة، وحصل على نسبة فاقت أو قاربت التسعين فى المائة، وفى الانتخابات البلدية لسنة 2005 تحصل التجمع على 4.098 مقعد من أصل 4.366 فى المجالس البلدية، وفاز مرشحه ورئيسه زين العابدين بن على فى الانتخابات الرئاسية لسنوات 1989 و1994 و1999 و2004 و2009 بنسبة، فاقت فى كل مرة 90%.
ينتمى إلى الحزب كل أعضاء الحكومة الحالية، تعلن قيادة التجمع أن عدد أعضائه يبلغ مليونين و180 ألف عضو إلا أن المختصين يقدرون عدد الناشطين فيه ببضعة عشرات آلاف فقط، وأنه كان يفوز كالعادة بالتدخلات الحكومية والخلط بين السلطات كان واضحا، واتضحت هشاشة الحزب مع اندلاع المظاهرات الغاضبة لملايين التونسيين ممن عانوا السنوات الأخيرة من القمع والفقر والفساد وغياب تكافؤ الفرص، وتضاعفت خلال السنوات الأخيرة حالات الانتحار بين الشباب وأصحاب الأسر كما تضاعفت جرائم الاعتداء والسرقة، مع تزايد أعداد العاطلين وغياب عدالة توزيع الدخل.
وتصور الرئيس بن على أن سيطرته على أجهزة الأمن والتقارير التى يتلقاها من معاونيه عن الاستقرار، كافية، وعجز عن رؤية الواقع التونسى، لأنه مثل كل ديكتاتور انعزل عن الشعب، وسط حصار أمنى يفرض نفسه، ويمنع أى حركة له دون خطط أمنية، وبالطبع فقد صنع معاونوه منه أسطورة كاذبة وأوهموه أنه رئيس لم يسبق له مثيل فى تونس وأنه صانع الاستقرار والنهضة الوحيد.
ولهذا ألقى أربعة خطابات خلال أزمة المظاهرات كانت ثلاثة منها تحمل صلف الرئيس القوى، وتتضمن تحذيرات للمتظاهرين، قال فى خطابه التحذيرى، إن حكوماته حققت إنجازات، إنه يريد توفير فرص عمل للعاطلين والخريجين، وأن العالم شهد لتونس، وأنه يريد شعباً متعلماً، وأنه مع تكريس الحوار والديمقراطية، وتجاهل هتافات المتظاهرين واتهاماتهم بالفساد للمقربين من الرئيس وعائلته، فضلاً عن طغمة المتحالفين مع السلطة والذين يحظون بالمكاسب، وقال إنه لا يمكن أن يقبل الأهداف السياسية والعوامل الخارجية، واتهم المتظاهرين بأنهم أقلية من المحرضين والمأجورين يدفعون للعنف والشغب، وأن هذا مرفوض فى دولة القانون ومظهر سلبى وغير حضارى يعوق الاستثمار والسياحة.
وقال إن القانون سيطبق على هؤلاء بكل حزم، لكنه فى خطابه الخميس، اضطر للإفراج عن هؤلاء، وأن يقيل وزير داخليته لتهدئة المواطنين، كان المواطنون يتظاهرون ضد الفقر والظلم وغياب العدالة والفساد الذى يستفيد منه قليلون ويضار منه أغلبية، ويرون أن جهود التنمية تذهب سدى مع هذا النظام الذى يرفض الاعتراف بالظلم الاجتماعى.
لقد تجاهل ملايين المتظاهرين الذين وصلت أصوات أقدامهم وهتافاتهم إلى أبواب القصر الجمهورى، عندها أفاق الرئيس السابق من غفوته بعد 23 عاما، وحاول إنقاذ نفسه وحكمه، وتصور أنه سيفعل مثل كل مرة وأنه الرئيس المسيطر، حاول تطبيق مبدأ ميكافيلى الخالد "تخلص من بعض معاونيك واظهر أمام الشعب أنك الحاكم المحبوب"، لعب بن على اللعبة الأثيرة للديكاتور وعاد فى خطاب الخميس ليعلن أنه يتفهم المتظاهرين ومشكلاتهم ويعترف بأنه تعرض للتضليل، "لقد ضللونى".. هكذا أعلن فى خطابه الأخير، وقال إنه استجابة للشعب، وبعد أن كان يتهم الشعب بالعمل لصالح جهات أجنبية أعلن إقالة وزير داخليته وقال إنه سيغادر الرئاسة 2014 وألغى الرقابة على الإعلام والإنترنت، وأمر بخفض الأسعار، وأقال مستشاره لرئاسة الجمهورية ومتحدثه الرسمى.
وبدا كأنه طوال سنوات حكمه الطويلة كان مضللاً، ومستشاروه يضللونه، ويقدمون له معلومات خاطئة، أقال وزراءه وبدا وحده القريب من الشعب المستجيب له.
لكن الأوان كان قد فات، وفقد الديكتاتور مخالبه، أمام مظاهرات الفقر والظلم والتسلط، وغياب العدالة وانتشار الفساد، الذى جعل الإنجازات لصالح فئة محدودة، واعترف متأخراً، بأنهم ضللوه، مع أنه استبعد المعارضة، وأطلق أجهزة الأمن فى عمليات القمع والتهميش للمعارضين والشباب، وأغلقت سبل التعبير، وساندت الظلم الذى أنتج عاطلين ومحبطين ومنتحرين، بينما عائلة الطرابلسى من أصهاره كانت تستفيد من كل شىء، وزوجته ليلى الطرابلسى أو ليلى بن على سيدة تونس الأولى ورئيسة جمعيات الاندماج الاجتماعى، ومنظمة المرأة العربية، ومنظمة تمكين المرأة، وجمعية مكافحة السرطان (التى تحمل اسم والدتها).
لقد بدأت الاحتجاجات فى تونس من سنوات، لكن النظام لم يكن يسمع، ولما اشتعلت الأوضاع خرج الرئيس ليقيل مسئولين ويعترف بأنه لم يكن يعرف، وأن هناك من ضللوه وأعلن إطلاق الحريات وإلغاء الرقابة لكن الاعتذار لم يكن كافيا لتهدئة المواطنين الغاضبين، الذين واصلوا تظاهرهم وطالبوا برحيل زين العابدين بن على، وتصاعد الغضب، حتى اقترب من القصر الجمهورى، وهنا كان شتاء الديكتاتور فى نهايته، وحاول النجاة بنفسه لأنه اكتشف أن أحدا من الشعب لايصدقه، وبعد سقوط عشرات القتلى والجرحى من أجهزة الأمن ونزل الجيش إلى الشارع لحفظ النظام إيذانا بمرحلة جديدة بعد ثلاثة وعشرين عاما لم يكن فيها الديكتاتور يصدق أن أحدا يتجرأ عليه.
وهكذا يبدو الديكتاتور مثل سلحفاة، تتسلح بصدفة شديدة الصلابة، لكنها تموت عندما تنقلب على ظهرها، وما يزال مصير بن على غامضا، لكن الشعب التونسى يستقبل فجر السبت بوجه جديد بعد رحيل الديكتاتور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.