ارتبط اسمه باسمى قبل أن أعرفه، وقبل أن أراه، ففى أوائل عام 2004، طلب منى مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية إعداد دراسة عن "الإدارة السعودية للأزمات الأمنية"، وبعد تسليم الدراسة تم إصدارها فى كتاب من تأليف مشترك جاء اسمه عليه بجوار اسمى، فى يونيو 2004، ودارت الشهور والسنوات حتى يونيو 2006، عندما التقيته لأول مرة عندما جاء للانضمام إلينا كباحث فى مركز الدراسات والمعلومات التابع للسفارة السعودية بالقاهرة، وخلال ثلاث سنوات ونصف، ارتبطت حياتى به وبمن معنا فى المركز، فكنا أقرب للأخوة منا إلى زملاء العمل، فكل تفاصيل حياتنا، كل أفراحنا كل همومنا معاً، نتشارك فى الضراء قبل السراء، فى عائلة جديدة صنعها الحب والاحترام. شاءت الظروف أن أترك العمل معهم، ولكن العلاقة لم تنقطع، واستمر الود والحب والتواصل، وفى الثالث من ديسمبر 2010، كان حفل زفافه، الذى انتظرناه جميعاً، والذى ينتظره من سنوات، وأنفق فى التجهيز والإعداد له كل ما يملك، لدرجة أنه من فرط حرصه على إتمامه قام بإصلاح مصعد العمارة التى أخذ فيها شقته على نفقته الشخصية، ولما لا وقد بلغ العام الثانى والثلاثين من عمره، ومن حقه أن يعيش مستقراً مع زميلة كفاحه التى اختارها قلبه لتكون شريكة حياته. وفى الثامنة من مساء الخميس، السادس من يناير 2011، اتصل بى أحد زملاء العمل السابقين، وكان الخبر الصاعقة، لقد مات!! نعم، مات محمد مصطفى زرير، الباحث والصحفى المتميز، الأخ والصديق الخلوق، صاحب الجهد الوفير والخلق الكريم، والأسلوب الراقى، لقد سقط به مصعد عمارته الذى أصلحه، على نفقته، وكأن القدر ساقه لإصلاحه ليموت فيه. مات زرير، بعد أن اتصل بزملائه فى العمل وهو محجوز داخل المصعد، ليعتذر لهم عن تأخره، لتعطل المصعد، ولا يضمن متى سيتم إصلاحه. مات زرير، نعم قدره، وساعته وتاريخه، ولكنه الإهمال، الكبير الذى أصبح سمة ملازمة لكل شىء فى هذا الوطن، أو فى بقايا هذا الوطن، الذى لم يعد للمجدين فيه مكان، وطن.. يفقد كل يوم خيرة أبناءه، وأحرصهم على حاضره ومستقبله، بسبب إهمال الأسوأ من أبنائه الذين لا هم لهم سوى جمع الثروات وتكديس الأموال، واحتكار السلطات حتى لو كانت على حساب أعز ما نملك، أبنائنا وإخواننا، شبابنا وفتياتنا، مسلمين وأقباط، ممن هم زهور هذا الوطن وسواعده الفتية، إن كان له مستقبل، وسط هذا الركام من الإهمال والاستبداد والتسلط والفساد. كم كان الخبر محزناً، وما أسهل الدموع وهى تنهمر، ولا أستطيع التحكم فيها، ولما لا وأنا أبكى فى زرير حاضرى ومستقبلى، وحاضر ومستقبل الملايين من أبناء هذا الوطن، الذين يشعرون بالقهر والاستغلال والذل والمهانة، فى وطن لا يحرص ولاة أمره إلا على ما ينفعهم على المستوى الشخصى فقط، ولتذهب الأرض وإنسانها وخيراتها إلى الجحيم، إلا ما كان فى حوزتهم وتحت سيطرتهم. لقد كانت فاجعة الأول من يناير كبيرة، بموت العشرات من المصلين المصريين نتيجة الإهمال الأمنى والسياسى والاجتماعى والاقتصادى والفكرى والإعلامى الذى يضرب بكل مقدساتنا وبكل أركان حياتنا، ثم جاءت فاجعة السادس من يناير لتنال من البقية الباقية من الأمل فى مستقبل هذا الوطن. أى مستقبل، ونحن نفقد كل يوم أعز ما نملك؟ أبناءنا، أى مستقبل ونحن نتعامل مع كل أمور حياتنا، حتى البسيط منها، بمنتهى اللامبالاة والسلبية والإهمال؟ أى مستقبل وأخيار هذه الأمة وثروتها الحقيقية يتساقطون، ليس فقط برصاص الغدر وتفجيرات الخيانة، ولكن أيضاً بسرطان الإهمال والسلبية والغش والتدليس الذى ينهش فى عظام هذه الأمة. هكذا أنتِ يا مصر، تفقدين دائما كل نفيس لينعم الفاسدون المفسدون، تفقدين بناة مستقبلك ليعيش مدمرو حاضرك، فهل تستيقظين وتحرصين على ما بقى من أمل، إن كان هناك أمل؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.. رحمك الله يا زرير، فمصيبتى فى فقدك هى مصيبتى فى وطنى!!