أكاد لا أسمع شيئا وكأن أذنى قد صمّت، فمن يقطع الصمت حولى يوقظنى يفيقنى يقول لى إنك ما زلت تسمع جيدا، وأنى سليم معافى من الصمم، وأن المشكلة أنه لا شىء يقال بعدما أصيب المتحدثون بالخرس فى وقت نحن أحوج ما نكون فيه لأن نسمعهم ويعلو صوتهم ويخرق حجب الخوف الذى لازمهم حتى قتلنا وقتلهم. أشعر اليوم بخنجر فى صدرى أعلم جيدا من رشقه ولكنى مخدر فاقد الوعى منزوع الحس أريد من يفسر لى ما يحدث للسودان اليوم هل حقا هناك استفتاء على قطع أوصاله وشق قلبه نصفين وكأنى لم أسمع عن ذلك منذ شهور حتى وجدتنى اليوم أمامه يصدمنى يهز مشاعرى ويقتل داخلى كل مشاعر الحب التى علمنى التاريخ إياها. وأسأل نفسى وأنتم معى أبكل هذه السهولة نستطيع أن نقطع اللحم بسكين مسنون ومتين دون أن تؤثر فينا مناظر الدماء ألهذه الدرجة هانت علينا الروابط الإنسانية ألهذه الدرجة تاهت قلوبنا عن حب هو الأشرف والأقدس هو حب الأوطان، وصارت المصالح حتى مع العدو هى الأولى, ألهذه الدرجة نسينا تاريخ يرجع لآلاف السنين هل هُنا لهذه الدرجة، أم أن الروابط لم تكن متينة أم أن التاريخ كان زائفا، أم أن الأخوة صارت أكذوبة، أم تركنا أنفسنا لأعدائنا واستلقينا على ظهورنا وأعطيناهم السواطير وقلنا لهم رهن أمركم افعلوا ما يحلو لكم. أم أن حكامنا أصبحوا لهذه الدرجة من الضعف والتهاون فبعدما خارت القوى وانهزمت العزيمة وجاع الشعب وفرطنا فى العرض ها قد أتى الدور على الأرض حتى لا يبقى لنا مكان نطأه أو سماء تظلل أبناءنا أو تراب يغبر وجوهنا عند السجود. وأتساءل على من يأتى الدور بعدما ضاعت فلسطين وتفتت واختزلت فى غزة وانتهت العراق إلى فرق وأحزاب، وها هى السودان قد أتى عليها الدور حتى نقطع أوصالها ونلقى بها للكلاب ينهشون ما تبقى من عظامها. وأقول لشعب السودان الحبيب مازال الوقت فى أيدينا كى نلم الشمل وأقول للبشر يكفيك ما وصلت إليه السودان على يديك وأقول لباقى حكامنا أقطعوا الصمت كفاكم خوفا على كراسيكم.