حوار هادئ لم يتخلله أية عصبية، إجابات مختصرة، فى محاولة لنسيان الماضى "المرير" والتركيز على الخطوات المستقبلية، يبدأ يومه بصلاة الفجر يليها قراءة القرآن وتناول الإفطار، وينتهى بعد صلاة العشاء. رحلته مرت بسجن أبو زعبل، العقرب، الوادى الجديد، والواحات والذى كان يعذب به يوميا وليمان طره، ثم الفيوم، وانتهت رحلته فى السجون بالإفراج عنه فى أغسطس الماضى.. اليوم السابع حاور معتقل الجماعات الإسلامية السابق عبد المنعم منيب... كيف مرت عليك سنوات الاعتقال بالمعتقل؟ بالتأكيد هناك نوع من المرارة لسلب الحرية وفراق الأهل، ولكن رحمة الله تجعلنى أحاول أن أنسى تلك المرحلة. هل تم تعذيبك فى المعتقل؟ يصمت ولسان حاله "دا سؤال؟" كيف تبدأ عمليات التعذيب مع المعتقلين؟ فى الأغلب يتم التعذيب أثناء تحقيقات أمن الدولة بشكل يومى معتاد، وهى أداة ثابتة لا يستغنون عنها، وهذا لم يحدث معى، لأننى تعرضت للتعذيب بالسجن كنوع من سوء المعاملة، وليس بقصد الاعتراف أو استخلاص معلومات. ما هى أشكال التعذيب التى تعرضت لها؟ الضرب "بالخرزانات والأرجل" أكثر أشكال التعذيب التى تعرضت لها والصعق بالكهرباء فى بعض الأحيان، ومنذ أواخر عام 1993 وحتى عام 2000، كان هناك تعذيب، لكنه اختفى بعد عام 2000. هل تعنى أنهم كانوا يرفضون تنفيذ الأوامر؟ ليس رفضا مباشرا، لأنه لن يستطيع أن يرفض بالأساس، ولكنهم كانوا يتحايلون على ذلك من خلال عدم التواجد فى الأوقات التى يتم فيها التعذيب. هل هناك أوقات معينة لتعذيب المعتقلين؟ ليس بالضبط، لكن على سبيل المثال، حينما يأتى معتقلون جدد، بالطبع يتم تعذيبهم بمجرد وصولهم للسجن، وهنا يتجنب القلة من الضباط التواجد فى هذا التوقيت لرفضهم القيام بتعذيبهم. هل هناك اختلاف فى المعاملة بين المعتقلين؟ بالطبع، المعتقلون ذوو الخلفية الإسلامية تختلف معاملتهم عن ذوى الاتجاهات السياسية الأخرى كالأحزاب، حيث لا يتعرض هؤلاء لتعذيب منهجى، ولكن يستبدل بسوء المعاملة. هل هناك منهجية معينة فى التعذيب؟ بالطبع، فإنهم يعملون على التعذيب دون الوصول للمرحلة التى قد تؤدى لموت المعتقل مثلا، وهذا ضمن الاعتبارات المهمة التى تؤخذ فى الحسبان أثناء التعذيب للسياسى، ويضاف لذلك "دهاليز وزارة الداخلية" حيث الصراعات بين مصلحة السجون وجهاز أمن الدولة، ففى بعض الأحيان ترغب المصلحة فى تعذيب المسجونين وأمن الدولة ترغب فى منع التعذيب. هل يختلف الأمر من جماعة إسلاميه لأخرى؟ كل جماعة لها سياسة معينة فى التعامل، مثلا: الإخوان المسلمون التعامل يكون أفضل وأحسن، لأن هناك من يدافعون عنهم فى وسائل الإعلام، إلى جانب نوابهم بمجلس الشعب، على عكس الجماعات الجهادية. الداخلية اتجهت مؤخراً لتدريب ضباطها على مبادئ حقوق الإنسان فهل تعتقد أن لها تأثيرا؟ الضباط بشكل عام لا يعلمون شيئا عن ثقافة حقوق الإنسان، وسلوك الضباط لا يتأثر بهذه الدورات التدريبية لأنهم "تربوا على ذلك" كما أن بناء السجون نفسه يعتمد على سوء المعاملة. كيف؟ فى أغلب السجون تكون مساحه الزنزانه 4× 6 أمتار، منها متر يخصص كدورة مياه، فإذا كانت المعاملة حسنة يوضع فيها أربعه أو خمسة معتقلين، أما فى الحالات الأكثر سوءا، والتى كثيرا ما تحدث، يوضع فيها ما يقرب من 35 معتقلا. ماذا عن الزنازين التى اعتقلت بها؟ أنا كنت من النوع الثانى من المساجين، فكنت لا أجد مكانا للنوم فى الزنزانة، وكنا نتناوب النوم فى المساحات الصغيرة المتاحة فى ظل اكتظاظ الزنزانة بالمساجين. لكن هناك لوائح معينة تحكم أوضاع السجون المصرية؟ الموضوع لا علاقة له باللوائح، ولكن بالسياسة العليا المتبعة داخل السجون، حيث تعطى الأوامر إما بسوء المعاملة أو تغييرها، وبناء عليه تتحدد أوضاع المساجين. ماذا عن التغذية داخل المعتقل؟ مقررات الطعام الموضوعة مسبقا باللائحة، تعتبر جيدة ولا يمكن أن يحصل عليها من يعيش خارج السجون، مثلا 3 مرات لحوم فى الشهر وبيض وغيره.. ولكن عندما يسيئون المعاملة، تكون هناك فرصة لسرقة هذه الأطعمة ولاتصل لنا بهذه النوعية أو الكمية، فالمغضوب عليهم داخل السجون يجدون الأطعمة مطهية بقشورها دون تنظيف أو مخلوطة "بالتراب"، وأعقاب السجائر التى تلقى عليها أثناء أو بعد الطهى، وكل ذلك مرتبط بالتوجيهات السياسية. هل هناك سلوكيات معينة تؤدى إلى تعذيب المعتقل أو لا؟ لا.. لأن هناك العديد من حالات التعذيب تتم دون أى هدف أو معنى، بل تتم لأهواء شخصية للضباط. يتردد أن المعتقلين الإسلاميين يصابون بأمراض نفسية بعد تعرضهم للتعذيب، ما مدى صحة ذلك؟ المعتقلون الإسلاميون لا يصابون بالأمراض النفسية بسبب التعذيب فقط، فالحبس نفسه سبب كافٍ، ليصيب المساجين بالعديد من الأمراض النفسيه أقلها الاكتئاب. ما أصعب يوم مر عليك بالمعتقل؟ كان يوماً فى سجن "الوادى الجديد"، ففى السجن تؤخذ من السجين ملابسه، ويمنح بدلاً منها "جلاليب وبطاطين"، وتقريبا "الشاويش كسل يخرج البطاطين" وتركنا بدونها لننام على الأرض، بالرغم من برودة الجو فكان يوما طويلا بالنسبة لى ولن أنساه. ماذا عن الرعاية الصحية فى السجون؟ الاعتمادات المالية والقانون والميزانيات مجرد كلام "على الورق"، لأن الواقع يخالف ذلك تماماً لأنهم فى الحقيقة يعتبرون المعتقل بدون أى حقوق. فقد أصبت بانزلاق غضروفى بسبب سوء الرعاية الصحيه، وقام طبيب السجن بعلاج الانزلاق الغضروفى بالأسبرين، كما تنتشر فى السجون الأمراض الناتجة عن سوء التهوية مثل الجرب والقمل. المجلس القومى لحقوق الإنسان أشاد بأوضاع السجون بعد زيارات ميدانية؟ هذه الزيارات لا تتم بشكل مفاجىء على الإطلاق، بل تتم بترتيب مسبق بين السجن والمجلس، حيث يتم تهيئة السجون مسبقا "كما يحدث بالأفلام".