(خلى بابا يسامحنى بس يرجع لى رجلى) أنا مش هاعمل كده تانى.. قالها عمرو ببراءة سنواته السبع وهو ينظر لقدميه بعد بترهما.. لا تملك أمه إلا البكاء بجوار جسده الصغير تحكى نظراتها قسوة الأب عندما يتساوى الألم والعقاب.. تتذكر ماحدث لعمرو قطعة قلبها التى مازالت تنزف دموعا.. لا ذنب اقترفه هذا الجسد النحيل إلا اللعب والشقاوة وهل يستحق عمرو كل هذا الظلم.. كل هذا الوجع ؟ تخرج الآه من أعماق قلبه الأبيض لا يفرق بين من قضى بقسوته على طفولته وبين من قدم له يد الحنان.. هكذا حال عمرو. لا يفكر إلا فى استعطاف والده.. بالمحايلة والوعد (لن ألعب فى الشارع مرة أخرى.. سأذاكر.. سأسمع كلامك) وعود يلقيها عمرو على مسامع أمه التى تلطم خديها بكل يد تملكها.. تلملم أفكارها تشحذها.. تقرر الذهاب إلى قسم الشرطة لتبلغ عن زوجها (أبوعمرو) لا يستحق اللقب.. ستحكى حكاية طفلها الذى شاخ قبل أوانه.. من يعاقب زوجها على فعلته، من يقتص لقلبها المنفطر على عمرو؟ لا أحد سوى الشرطة.. ستتهمه بتعذيب طفلها الوحيد.. ستلقى فى قلبه الرعب الذى دمر حياتها وحياة عمرو.. صوته الخشن كان يذيب شجاعتها فى مواجهته كثيرا ما نالها العقاب إذا تجرأت مرة من مرات عقابه لابنه حتى إنها ظنت أن زوجها يرفض الاعتراف بأبوته لعمرو.. بكت بين يديه تقسم بكل أنواع القسم أن عمرو هو ابنه من صلبه لكنه كان يستغرب كلماتها ويزم شفتيه متجاهلا تمزق مشاعرها رعبا على طفلها (ما أنا عارف ومتأكد).. تصرخ فيه بكل سخطها لماذا تعذبه؟ سيموت فى إيدك فى مرة.. تمسك يديه تقبلهما.. تزحف أرضا لتظهر تذللها له مضحية بنفسها (عذبنى بدلا منه).. لكنه لا يكترث بما تفعله بل تحوله حركاتها التى يراها تمثيلية إلى إنسان ساخر يضحك من أمومتها.. يحسم حواره معها قائلا: (أنا أربى ابنى فلا تستفزينى).. باتت تحلم بعمرو وقد لفظ أنفاسه الأخيرة بين يدى والده بعد أن أطبق يديه الغليظتين على عنقه فى إحدى مرات العقاب.. هبت من كابوسها عاقدة العزم على قتله.. فربما الشرطة سترى مثله أنه والده وله حرية عقابه كيفما شاء.. لم لا؟! لكنها لم تجرؤ.. فضعفها لم يصب جسدها وحسب لكنه امتد إلى نفسها فخربها.. فتت الخوف أوصالها فانكمشت إرادتها أمام عنفوان شره وقسوته.. غافلها عمرو ونزل يلعب فى الشارع كغيره من الأطفال.. سرقه الوقت وهو بين أحضان ألعاب الكمبيوتر.. أحست بالخطر عندما دخل زوجها عليها بعد اكتشافها اختفاء عمرو.. لم تنتظر أن يسألها زوجها عنه.. فتحت الباب وانطلقت تبحث وتجرى حتى سقطت مغشيا عليها.. عندما وجدته قابلها ببراءته المعهودة.. فتحت عينيها على جمع من البشر يحاولون إيقاظها.. لم تنتظر أن تشرح لهم ما يملأ قلبها من الرعب على ولدها الذى حضر الأب وجره جرا إلى البيت.. وجدته مقيد القدمين تعتصر الحبال شرايينه البكر تمزقها تستنفر كل الدموع من مقلتيه.. يصرخ.. (بابا رجلى وجعانى) كأنه أبكم لا تطرف عيناه، يرتشف كوبا من الشاى الساخن بهدوء مرتاح البال.. يستسلم إلى نوم عميق بعد أن أغلق باب الحجرة على عمرو ومنع زوجته من مجرد التفكير فى فك أحباله فربما يقتله إذا هى فعلت ذلك.. باتت توصل ليلها بنهارها.. ثلاثة أيام والحبل يزداد شدا على القدمين الهزيلتين حتى قرر الأب أن يحرره.. حاول أن يخطو بهما ليستعيد حريته لكن عمرو لم يشعر أن لديه قدمين تحملان جسده الذى ارتوى تعذيبا وضربا فسقط مستنجدا بأمه (لا أشعر بقدمى) صرخت الأم فى زوجها.. شقت جلبابها.. لطمت خديها حتى تجمع الجيران.. حملوه للمستشفى أملا فى الشفاء لكن القدر قد حكم على طفولته بالموت.. سيعيش بلا قدمين طوال عمره سينسى اللعب مع الأصحاب.. إنه يكره اللعب فى الشارع بسببه تخلص أبيه من قدميه حتى لا يلعب بهما مرة أخرى.. يسأل أباه فى سذاجة الأطفال وإلحاحها: (هتقول للدكتور يرجع لى رجلى لو أنا سمعت الكلام؟).. للمزيد من مقالات الكاتبة اضغط هنا