أزمة حوض النيل كشفت عن أخطار تهدد مصر استراتيجياً، كان أهمها الكشف عن دول ذات مطامع سياسية فى الهيمنة على القارة السمراء، ليس للحصول على خيراتها فقط، ولكن بحثا عن قوة، وهى ليست مساع اقتصادية لكنها قد تهدد الأمن المصرى، واتضح ذلك فى دول حوض النيل، التى أثرت إسرائيل على موقفها بشأن حصة مصر من المياه.أما الخطر الجديد، فهو محاولات الهيمنة الإيرانية بخلق تواجد قوى داخل القارة الأفريقية، حلم السيطرة على الشرق الأوسط. وعلى مدى العقد الماضى كانت إيران تدعم تواجدها فى أفريقيا، وزاد هذا الأمر فى عهد الرئيس أحمدى نجاد، الذى ضاعف من التودد والتقرب لدول بعينها فى أفريقيا، وتجلى ذلك فى افتتاح أعداد متزايدة من السفارات الإيرانية خلال فترة رئاسته، وعشرات الزيارات الرسمية فى الأعوام 2008، 2009، 2010. ويرى بعض المحللين، أن التواجد الإيرانى صار يمثل تحدياً للتواجد الصينى القوى فى أفريقيا، وأن إيران تبحث عن حلفاء جدد فى أفريقيا لدعم برنامجها النووى، فالدول الأفريقية تمثل ثلثى العدد المطلوب لفرض موضوعات محددة على أجندة الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما يمكن لتلك الدول تقديم الكثير، لإيران مثل «اليورانيوم» الذى تحتاجه لمشروعها النووى، كما أن الكثير من تلك الدول لها موان بحرية هامة، وبنوك تستطيع التحايل على العقوبات الدولية المفروضة، كما أن أفريقيا هى القارة الأخيرة التى لا تزال مفتوحة أمام الإيرانيين. واللافت فى هذا السياق، أن الإيرانيين يختارون بعناية الدولة الأفريقية المستهدفة، ويفضلون الدول ذات الغالبية المسلمة، مثل السودان، وجزر القمر، أو الدول التى تعانى صراعات سياسية داخلية، وتشهد انقسامات مثل جيبوتى وكينيا وأوغندا ونيجيريا وجامبيا وسيراليون والسنغال. وعلى النقيض من الصينيين، فإن إيران تقدم للدول الأفريقية المضيفة لها مشروعات فى هيئة مساعدات اقتصادية، لكنها مخلوطة أيضاً بالأيدلوجية الإيرانية. ففى حين يركز الصينيون على الاستثمار فى صورته التقليدية، تمارس إيران ذلك بأساليب أكثر ذكاءً، فقد افتتحت إيران فى أفريقيا مراكز ثقافية على أساس مذهبى تقوم بالترويج للفكر الشيعى، وساعدت هذه المراكز فى دعم التواجد الإيرانى بقوة فى عدة دول أفريقية، هذا إلى جانب الزيارات الرسمية للرئيس الإيرانى أحمدى نجاد، حيث لعبت دوراً كبيراً فى دعم التواجد الإيرانى، فمثلاً خلال زيارته إلى زيمبابوى استطاع الحصول على حقوق تعدين خاصة باليورانيوم بدلاً من الصينيين، وفى المقابل قدم نجاد إلى حكومة زيمبابوى قروضاً مالية بفائدة مخفضة، يتم ردها من خلال الامتيازات التى حصل عليها الإيرانيون، وبهذا استطاعت إيران أن تؤمن لنفسها مصادر جديدة لليورانيوم. ومن خلال كل زيارة رسمية يقوم بها الرئيس الإيرانى أو المسؤولون البارزون فى حكومته يتم تقديم عروض للاستثمار فى البنية التحتية والصحة والتصنيع وصلت إلى عروض بنقل خبراتها فى مجال الطاقة النووية الاستخدامات المدنية لدول مثل أوغندا ونيجيريا. وتتضمن قائمة الاستقطاب الإيرانية للدول الأفريقية، بيع البترول الخام لها بأسعار منخفضة للغاية فى محاولة لكسب ودها، أما أخطر أنواع المساعدات، فهو تقديم نوع خاص من الدعم العسكرى، فمن خلال ملحقيها العسكريين بسفاراتها فى الدول الأفريقية، تقدم إيران الدعم العسكرى المتمثل بشكل رئيسى فى تدريب القوات العسكرية المتصارعة، مثلما يحدث فى كينيا. ومع هذا فقد خذلت الدول الأفريقية إيران فى الكثير من المواقف مثلما جرى فى مايو الماضى، عندما صوتت جميع الدول الأفريقية لصالح العقوبات ضد البرنامج النووى الإيرانى، رغم علاقة بعضها الطيبة بإيران، لكن فى النهاية يمكننا القول إن إيران تمكنت من زرع نواة لتقوية تواجدها، وهيمنتها على القارة السمراء.