اضطرت هنادى للوقوف أكثر من ساعتين فى طابور طويل أكثر من ساعتين للحصول على عشرين رغيف من أجل الإفطار. ينتظرها اخواتها الصغار فى بلكونة ارابيسك تمتد لمنزل من زمن مختلف فى أحد الأحياء العتيقة فى منطقة الأزهر القديمة وتعيش فيه مع والدتها وأخواتها الأربعة يتدرجون فى مراحل التعليم المختلفة وعندما اقتربت من المنزل هتف اخوها الصغير هنادى احضرت الخبز وتتعالى النداءات يلا يا هنادى هنتاخر ولم تنس هنادى إحضار الفول والطعمية وحتى وصلت للباب المفتوح وخطفوا الأكل من يدها وبسرعة فرشوه على الترابيزة الصغيرة وتركتهم وجلست بعيدة على كنبة أمام شباك صغير وتنظر إلى السماء وسرحت فى عالم آخر وهنا جاءت الأم ووضعت يدها على كتفها وقالت: مالك يا حبيبتى برضه سرحانة وتايهة مش هتفطرى ولا ايه ترد هنادى: موش دلوقت بعد ما إخواتى ينزلوا الأم. ده انتى بقالك ساعتين بتجيبى الأكل وانتى ضعفتى ووزنك نزل كتير انتى تعبانة ووشك عامل زى الليمونة لما ينزلوا هفطر لوحدى هنادى : الأم: هنفطر سوا اتفقنا بعد تناول الجميع الإفطار ونزولهم للمدرسة هنا هدأت الأمور واقتربت الأم من هنادى وقالت يلا يا هنادى يا بنتى هنادى: بدأت الأم مداعبة هنادى المجروحة التى تعلقت بحب شخص لا يستحق اسمه أحمد وتعلقت به بشدة ورسمته زوج المستقبل ورفضت الكثير من خيرة شباب تقدموا إليها وبعد كل تضحياتها قال لها الكلمتين المشهورين فى كل الأفلام والمسلسلات حتى مللنا منهم انا موش هقدر أسعدك وانتى تستحقى واحد تانى أفضل منى وتنهار هنادى وتتركه باكية وتعود إلى منزلها ويختفى أحمد بعد أن ترك فى قلبها جرحا لم يلتئم بعد كل هذه السنوات التى مرت الأم: انتى موش هتنسيه بقى يا هنادى ده عيل ندل وجبان وموش يستاهلك انتى غلطانة من الاول انك حبيتى واحد زى ده هنادى: أول حب وأكبر غلطة فى حياتى وبعدين هنساه إزاى وأنا مفيش فى حياتى جديد ودماغى موش بتبطل تفكير فى الموضوع ده وبعدين مستقبلى مفيش له ملامح ولا شكل ولا طعم ولا لون خصوصا ان الحارة كلها عارفة الحكاية دى وطبعا طلعوا قصص وحواديت كلها غلط فى غلط هعمل ايه مفيش ورا الناس غير الكلام وبعد ما كان بيتقدملى واحد كل أسبوع دلوقت وبعد ما وصلت الثلاثين بقالى شهور كتير محدش قرب الأم: بالراحة على نفسك شوية يا هنادى كل شىء قسمة ونصيب أنا عايزاكى تغيرى جو شوية انا كلمت خالتك فى إسكندرية اهو تروحى تفكى عن نفسك شوية واهى معندهاش عيال وجوزها راجل مريض وفى حاله هنادى: يا ماما دول عايزين ممرضة تخدمهم موش حد يقعد معاهم الأم: هما جايبين ممرضة انتى موش هتعملى حاجة خالص هتغيرى جو بس وبعدين لو حسيتى انك موش مرتاحة لمى هدومك ورجعى تانى محدش هيقولك حاجة هنادى: ماشى كلامك يا ماما حضرت هنادى شنطة شنطة صغيرة فهى متأكدة أن الزيارة لن تطول كثيرا وركبت القطار المتجه للإسكندرية وأثناء الرحلة كانت تجلس بالقرب من الشباك وحدث ما جلعها تغير حياتها تماما وتغير من طريقة تفكيرها فماذا حدث وكيف حدث عندما توقف القطار فى طنطا لتغيير اتجاه الجرار للإسكندرية حيث ركبت القطار فتاة يبدو عليها أنها فقدت عقلها وتلبس ثيابا مهلهلة ورغم قساوة الظروف يبدو أنها تحمل الكثير والكثير من ماضٍ مؤلم ومازال هناك بقايا أنثى كانت تشع جمالا فى الماضى وتحمل مناديل تبيعها فهى دائمة الحضور يوميا فى هذا القطار وأيضا من يركب هذا القطار باستمرار يعرفها ويسمونها بالعاشقة ومن محادثات الركاب معها وردود أفعالها فهمت القصة فمن الواضح أنها أيضا تعرضت لصدمة وفقدت حبيبها ولكنها تاهت ومرضت وتدهورت حالتها وهامت على وجهها فى الشوارع تبحث عنه وتبحث عن رزقها أيضا. هنا وقفت هنادى مع نفسها قائلة ما هذا هل هناك رجل على وجه الأرض يستحق أن تدفع المرأة من أجله الثمن بهذه الطريقة وتدمر حياتها. تذكرت ما حدث لها وما يمكن أن يحدث لها لو استمرت بهذا الحزن ومن الممكن أن يكون مصيرها مثل العاشقة التى رأتها فى القطار وتذكرت كلام والدتها انها تخاف عليها من الحزن وقسوة الايام وكما وقف القطار ليغير وجهته وقفت هى ايضا وغيرت وجهتها فى الحياة وقررت ان تطوى صفحة الماضى جانبا وان تنظر إلى مستقبلها أكثر وأكثر وقالت لنفسها كما توقف القطار توقف حزنى وسأكون إنسانة أخرى وقررت الرجوع إلى القاهرة وأن لا تفكر كثيرا فى انتظار الزواج حتما ما ستقابل نصيبها وقابلته أم لم تقابله فحياتها تغيرت تماما وهناك خطوات وخطوات سوف تغير من حياتها تماما وتجعلها هنادى أخرى.