نتحدث فى حياتنا العربية الراهنة أكثر ما نتحدث عن الأزمات، من أزمة المواصلات، إلى أزمة السكن، إلى أزمة الجوع، إلى أزمة الأخلاق، إلى أزمة المواطنة، إلى أزمة الثقافة إلى ...... إلخ. نبدأ نعد أزماتنا فإذا بنا لا ننتهى، وإذ حياتنا أكثر عقدا حتى أصبح الحديث فى هذه الأزمات مملا، والكتابة صارت ضربا من التسلية الفارغة، كلاهما المتحدث والكاتب، يعرف سلفا أنه عاجزعن الفعل المجدى، وكلاهما المتحدث والكاتب، يعرف سلفا أن الظاهرة أكبر من أن تؤثر فيها الكلمات، فالمسألة ليست مسألة أخطاء يعاد فيها النظر وتصحح، إنها مسألة البنية الأساسية لعملية حياتنا الحسابية. أعنى أنها مسألة البنية اللا حضارية لوجودنا الاجتماعى أعنى أنها قضية التخلف، ولأن التخلف لا يتجزأ، فالكتابة عن ظاهرة مرضية ما إغفال لجوهر المرض، إن علينا أن نبحث عن العلة فى مصدرها، ومصدر عللنا فى العجز هو حالة القصور وهما معا محصلة طبيعية لتخلف المجتمع. يضعنا ذلك فى صلب أذمة الثقافة هل يمكن لوضع اجتماعى متخلف أن ينتج ثقافة متقدمة؟ وبالتالى، هل تستطيع الثقافة أن تتنفس خارج المناخ الذى تولد فيه؟ هل يخرج الحضارى من اللا حضارى؟ المعافى من المريض؟. الثقافة كما نعرف جميعا نتاج اجتماعى بمعنى أنها جزء من العملية الاجتماعية من الفاعلية البشرية فى وضع اجتماعى ما هذا الجزء، مهما بدا متميزا ومستقلا، لا ينفصل عن العملية ككل، عن الفاعلية ككل، علينا انطلاقا من ذلك، أن نفهم أن أزمة الثقافة عندنا، هى أيضا أزمة تخلف. ماذا نعنى بأزمة الثقافة؟ نحدد أزمة الثقافة بما يلى: الثقافة العربية الراهنة انعكاس لوضع المجتمع العربى الراهن بحالاته السياسية والاقتصادية والفكرية. هى إذن مرآة الأزمة العربية الكبرى.. أزمة البحث عن وجود المجتمع العربى موجود وغير موجود فى آن معا. موجود لأنه يمتلك الصبوة إلى أن يكون وغير موجود لأنه لا يمتلك طاقة الكينونة. هو على المستوى السياسى طاقة مجزأة، هو على المستوى الاقتصادى طاقة مهدورة، وهو على المستوى الفكرى طاقة مشتتة، هذا الوضع الذى ليس وضعا، ينعكس على الثقافة العربية بالضرورة يحدث فيها هذا التجزؤ، هذا الهدر، هذا التشتت. ثقافتنا كمجتمعنا تبحث عن ملامح، مجتمع استهلاك لا إنتاج وثقافة استهلاك لا إبداع.