قلنا إن أحمد عدويه عبر عن زمنه وجاء عنواناً على عصر أنور السادات، كنا نقيسه على ما قبله، على زمن الغناء الجميل، والعصر الذى نمت فيه ثقافتنا وتطورت فيه أغانينا، زمن كان نجومه أم كلثوم وعبد الحليم ونجاة ومحمد رشدى ومحمد قنديل ومحرم فؤاد، وكوكبة طويلة من نجوم الغناء والطرب الأصيل، قسناه على هؤلاء فظلمنا عدويه وظلمنا عصر السادات، واليوم يمكننا أن نقول إن "أبو الليف" تعبير صادق عن زمن التردى، حتى لو قسناه على ما قبله، فليس أسوأ من ستى إلا سيدى، فلن نظلم العصر ولن نظلم أبو الليف. أبو الليف اسماً ومسمى وغناءً وكلماتٍ يشكل جريمة فى حق الناس، وجريمة فى حق الفن والفنانين، وانحطاط مستوى الكلمات التى يتغنى بها أبو الليف لا يمكن الدفاع عنه بالقول إنها كلمات متداولة فى الشارع، ومن قال إن الشارع هو الذى يتحكم فى أذواقنا وفى كلماتنا التى تدخل بيوتنا، أما إذا كان المقصود أنها كلمات شوارع، فهى فعلاً كلمات شوارعية يجب أن نحجر عليها فلا ندخلها بيوتنا ولا نسمعها لأطفالنا، سمعت مواطنا يسأل بحسرة: إذا سألتنى بنتى عن معنى كلمة خرونج فماذا أجيبها؟. وحتى لا نظلم أبو الليف وكاتبه الملاكى، نقول إنه وغيره من الظواهر التى تنفجر فى وجوهنا كل فترة من الزمن ليسوا إلا حلقات من صناعة كبيرة يُصرف عليها الملايين من الدولارات، يسمونها صناعة التخلف، وهى لا تُنتج إلا ما يشغل الناس، ولا تُبرز إلا التوافه، ولا ترعى غير الساقط من الفن والقول والغناء، صناعة تبدأ بالأغنية ولا تنتهى فى ملاعب الكرة التى جعلوها هى المشروع الوطنى للمصريين، يفرحون إذا فزنا فى مباراة ويبيتون الليل كله فى الشوارع يتغنون بالبطولة وبالأبطال وبالإنجاز الذى يشبه الإعجاز، وما هو فى الحقيقة إلا إشغال للناس وإلهاء لهم عن قضاياهم الحقيقية. صناعة التخلف تختصر نجوم المجتمع فى فنانين لا قيمة فنية لهم، وفى لاعبين الواحد منهم بقرش صاغ فى بلاد تعرف الكرة على أصولها، صناعة التخلف تقوم على مفهوم عملقة الأقزام ليصبح الواحد منهم نموذجاً ومثالاً يحتذى به، فيضيع الناس، ويتوه المجتمع ولا يجد الشباب أمامهم غير أن يملئوا جنبات الاستاد يفجرون طاقتهم فى السباب والشتائم، ويستنفرون أسوأ ما فى الإنسان من قدرات على التعصب، ثم يرجعون وهم يتغنون بمثل هذا الفن الهابط والكلمات اللقيطة. هذه العصابات التى تقف وراء مثل هذه الظواهر التى تظهر فجأة وتختفى كما ظهرت هى عصابات للعدوان على الذوق العام، عصابات تهدد ذائقة الناس بالتلف، وليس لهم من همٍ غير أن تمتلئ حساباتهم فى البنوك من الأموال الحرام، من فنون لا هدف لها غير اللعب على غرائز الشباب، ولا قيمة لها تبقى مع الزمن. المشكلة أن المجتمع لم تعد لديه قدرة ذاتية على الدفاع عن النفس فى مواجهة موجات الهبوط المتلاحقة عليه من كل حدب وصوب، ففساد الأغانى وإفسادها ليس وحده ما نواجه، نحن نواجه فى الحقيقة سيولاً متدافعة من الانحطاط والإسفاف فى كل مجال من مجالات الحياة، والفن والكرة هما النشاطان الطافحان على السطح، فتظهر لنا عوراتهما قبل غيرهما، والغريب أننا لا زلنا نذكر أننا استطعنا فى الماضى القريب منع أغنيات مثل: (الطشت قال لى يا حلوة يا للى قومى استحمى)، وكان المجتمع حياً بالدرجة التى منعت إعلاناً كان كلماته تقول: (محمود إيه ده يا محمود)، وفى السينما كذلك منعت أفلاماً مثل خمسة باب، ووُجه عدويه بهجوم ضار شارك فيه موسيقار الأجيال، حتى شعبولا الذى أصبح اليوم نجم النجوم لم يسلم من النقد والتجريح قبل أن يعلن مجتمع الصفوة الجديد تبنيه للنجم الذى يشبههم. أسوأ ما فى ظاهرة أبو الليف وغيره أنها أظهرت أن مناعة المجتمع لم تعد قادرة على صد هذه السرطانات الطافحة، فاعتبروا يا أولى الألباب.