الكذب يعتبر من الظواهر الإجتماعية التى أصبحت منتشرة فى المجتمع , فى مفهومه العام هو تزييف للحقائق بعيداً عن الواقع , ويعتبر من الصفات السيئة الغير مرغوب فيها , وهو سلوك مكتسب من البيئة حيث تلعب التنشئة الإجتماعية فى الطفولة دور كبير فى ظهوره , ورغم أنه صفة غير مقبولة إجتماعيا ودينيا إلا أن هناك من يبرره فى مواقف معينة ولا يعتبره كذب بل يطلق عليه كذب أبيض ويمارسه فى حياته اليومية دون شعور بتأنيب الضمير أو مراجعة النفس ومع الوقت يصبح جزء من نسيج شخصيته وقد يصل الأمر إلى أن يصبح ظاهرة مرضية تحتاج إلى علاج , فما الأسباب النفسية التى أدت إلى أن يصبح شخص كذاب وما الدوافع التى تدفعه للكذب وما الأهداف التى يرى أنه سيحصل عليها من جراء كذبه ؟ الكذب مشكلة سلوكية ينشىء نتيجة لأساليب تربوية خاطئة فى مرحلة الطفولة حيث ينشأ الطفل فى بيئة تفتقر للصدق , يستخدم الأهل الكذب فى حياتهم اليومية بصورة عادية فيكتسب الطفل هذه الصفة تلقائيا , الطفل طبيعته التقليد إلى جانب خياله الخصب فإذا كانت البيئة تتميز بالصدق والصراحة والوضوح سينشىء الطفل ويتصف بالصدق , أما إذا كانت السمة الغالبة الكذب فسيتعود على الكذب ويستخدمه كوسيلة للتخلص من مواقف معينة أو للدفاع عن موقفه أو تجنباً للعقاب وقد يستخدمه حتى لو لم يكن له مبرر, فحين يرى الطفل الأم تنكر وجودها وتطلب منه أن يقول أنها غير موجودة , أو الأب حين يتصل به أحد يطلب من الطفل أن يرد عليه ويخبره أنه نائم , يبدأ فى تخزين ما يتلقاه من الأهل ويتصرف من خلال ما تعلمه فنجده ينكر ما قد يفعله أو يقول كلام مخالف للحقيقة وعندما يتهمه الأهل بالكذب يرفض هذا الإتهام لأنه لا يعتبره كذب فهو يفعل كما يفعل الأهل فيبدأ الأهل فى تبرير ما يدفعهم للكذب ! أى سلوك يصدر من الإنسان له دافع يحركه وله هدف يريد أن يصل إليه , فالدوافع التى تدفع الأنسان للكذب إما الخوف من رد فعل الأخرين أو عدم الشعور بالأمان , أو محاولة للهروب من موقف يسبب له الحرج أو من باب المجاملة أو كرغبة فى إعطاء إنطباع معين أو لدفع الضرر عنه أو عن غيره , أو لتجنب مواقف معينة , أو لتحسين صورته أمام الأخرين للحصول على الإستحسان الإجتماعى , إلى أن يصبح الكذب سمة من سمات شخصيته ويتحول من كذب صغير لدفع الضرر إلى كذب فى أمور الحياة المختلفة مما يفقده المصداقية وعدم الثقة والشك فى أقواله وأفعاله ,وقد يصل به الأمر إلى الكذب على ذاته حين لا يدرك حجم قدراته وإمكانياته ويتخيل صفات لا يملكها بالفعل , فيؤدى إلى أن إدراكه للأمور يصبح بعيداً عن الواقع ويعيش فى أحلام اليقظة لدرجة أن يسيطر الخيال على أفكاره وقد يعانى من إضطرابات نفسية . الأفضل تجنب الكذب بكل صوره لأنه حتى وإن كان يقدم حلول لتجنب المشاكل والخلافات إلى أنها حلول مؤقتة والمشكلة لن تحل , فلابد من المواجهة ومحاولة إكتساب مهارات إيجابية يستطيع من خلالها أن يعبر عن رأيه ويوضح موقفه بصراحة ووضوح ,وعلى الأخرين أن يساعدوه على ذلك من خلال سعة الصدر والتسامح والحوار والتفاهم والبعد عن الشك والتأنيب المستمر, فالصدق هو أقرب الطرق لإكتساب ثقة الأخرين.