أدركت كل دول العالم أهمية أفريقيا منذ زمن بعيد، وحولتها الدول الغربية من مناطق للنفوذ الاستعمارى إلى سيطرة اقتصادية وتنموية، وأصبحت القارة السمراء منطقة صراع بين القوى العالمية، فى وقت تنظر فيه مصر لأفريقيا بنوع من التعالى غير المبرر، فأوروبا وأمريكا أصبحت هى وجهتنا السياسية والاقتصادية، حتى أن رجال أعمالنا تركوا السوق الأفريقية لإقرانهم الأتراك والصينيين والإيرانيين، ثم يأتى اليوم الذى نقول فيه لماذا تقف ضدنا دول حوض النيل للاتفاق على حقوقنا التاريخية فى حوض النيل. يا سادة لا تلوموا هذه الدول، بل لوموا أنفسكم أولا، لأن مصر حكومة وشعبا استكبروا على الأفارقة فجاء الوقت الذى نتذلل منهم اتفاق يحمى حصتنا من مياه النيل.. ونكتفى بالقول بأن هناك مؤامرة تحاك ضدنا من دول تنافسنا على مكانتنا بالقارة مثل إيران وإسرائيل.. وهو مبرر لا يعفى قائله من المسئولية، فإذا كانت هذه الدول تتحرك لتطويقنا فهذا ليس عيبا فيها وإنما عيب فينا نحن الذين تركنا لهم الساحة ليلعبوا منفردين، مكتفين بالشعارات الرنانة التى أتى عليها الزمن. يا سادة إن أفريقيا اليوم ليست أفريقيا الستينيات التى كانت تأتى لتأخذ العلم والقدوة من القاهرة، فالطريق للخارج أمامهم ليس ببعيد، بل إنه أيسر عليهم من أن يأتوا لمصر التى يشعرون وعندهم حق فى أنها تركتهم، حتى أن مثقفى مصر أصبحوا من الفئة الغافلة لأفريقيا، فمنذ شهر حضر للقاهرة وفد من صحفيى دول حوض النيل وعقدوا عدة لقاءات.. تخيلوا معى ما هى الشكوى التى كان استمعها المسئولين المصريين من هذا الوفد، إنها شكوى قد يراها البعض " تافهة"، لكنها لديهم تعنى الكثير.. لقد اشتكى الوفد من أن صحفى مصرى لم يقم بزيارة أى من دول الحوض طيلة السنوات الماضية للاحتكاك بزملائه الصحفيين بهذه الدول، هم بالطبع لا يقصدون الصحفيين الذين يذهبون برفقة المسئولين المصريين، ولكنهم يقصدون الصحفيين الذى يرغبون فى التعرف عن قرب وبعيدا عن السياسة عن هذه البلاد التى هى أقرب لنا من حبل الوريد، فيكفى أن شريان الحياة بالنسبة لنا وهو النيل يأتى لنا من قبلهم. نعم لدى مرارة من تجاهلنا لأفريقيا، وأكاد أنفجر غضبا عندما أسمع مسئولا يقول إننا لم نهمل هذا الجزء الهام من تاريخنا وأمننا القومى، لأنها أقول لا تجد لها على أرض الواقع شيئاً، لأن هذا التجاهل من وجهة نظرى بمثابة الخطيئة التى لا تغتفر ممن ارتكبوها.. وأنا هنا لا أقصد شخصا بعينه، وإنما سياسة دولة تجاهلت بمرور السنوات أن يكون لها تواصل مع أفريقيا، وأتذكر هنا رد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية عندما سئل عن تجاهل السياسة المصرية للقارة السمراء "اطبخى يا جارية كلف يا سيد"، والجارية من وجهة نظرى ليست الدولة بمفردها وإنما برجال الأعمال الذين أمامهم فرصة ذهبية للاستثمار فى دول بكر تحتاج إلى من يهتم بها وينميها.